عبير سيدة غزية حبلى بشهرها الخامس، لم يعد يؤرقها الإعياء الصباحي والغثيان والأعراض التي تعاني منها النساء الحوامل في العالم، بل باتت مخاوفها الكبرى تكمن بتأمين الغذاء اللازم وحقن تثبيت الحمل الموجودة بشح في القطاع المنكوب.
تراجع عبير طبيبا متطوعا في مدينة دير البلح التي نزحت إليها مؤخرا بحثا عن أدوية وفيتامينات مثل الحديد والكالسيوم والفوليك أسيد وهي لوازم أساسية لكل حامل، وتعاني أيضا من خطر ثبات حملها وتقصد عبير وجهات عدة آملة بالحصول على أبسط حقوقها كامرأة حبلى.
تعيش في قطاع غزة نحو 60 ألف سيدة حامل بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وكلهن معرضات للخطر نظرا لانعدام التغذية والرعاية الصحية.
حمل مضنٍ
مدير المستشفيات الميدانية في قطاع غزة الطبيب مروان الهمص ، أكد لـ"المملكة" أن نسبة النساء الحوامل في القطاع لم تقل عمّا سبق الحرب إلا أن معاناتهن حاليا كبيرة نظرا لعدم إمكانية تغطية احتياجاتهن من الرعاية الصحية والتغذية السليمة.
وأوضح أن الحوامل بالكاد يعتشن على القليل من الطعام المعلب، ويحصلن بالأسبوع على بعض اللحوم، ولو توفرت الأغذية مثل اللحوم والخضار والفواكه لا تستطيع العائلات شراءها نظرا لأسعارها المرتفعة.
واشتكى الهمص من النقص الحاد بالأدوية والمقويات الخاصة بالحوامل فضلا عن قلة الأجهزة الطبية الخاصة بفحصهن مثل جهاز الألترا ساوند ودمار المختبرات الخاصة وانهيار المنظومة الصحية والمستشفيات الذي فاقم من أزمتهن.
"النساء الحوامل في معاناة من فقر بالدم وأنيميا، حيث لا استشارة دورية ولا فحص دوريا للجنين، وتوجد احتمالات لمضاعفات بالحمل دون اكتشافها مثل تشوه الأجنة" بحسب الهمص.
أما أم يوسف التي حلمت بأن تصبح أما لـ8 سنوات فأجرت عملية الحقن المجهري للأجنة قبيل العدوان بأيام قليلة.. جاءت الحرب وتم الحمل وبدأت رحلة الصعاب نازحة حبلى ممنوعة من الحركة لأسباب طبية موجبة لثبات الحمل.
عانت أم يوسف خلال فترة حملها من أعراض صعبة خاصة في ظل نقص الأدوية والتغذية المناسبة، ولم يكن متاحا لها مراجعة الطبيب جراء النزوح فلجأت لمراجعته عن طريق الرسائل عبر "الواتس آب".
المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة خليل الدقران في ردّه على استفسارات "المملكة" أوضح أن النساء الحوامل في غزة لا تتوفر لهنّ رعاية صحية مناسبة بسبب كثرة النزوح، وعدم وجود مراكز صحية لمتابعة الحمل.
وبيّن الدقران أن عددا كبيرا من النساء الحوامل أجهضن بسبب القصف المتكرر إما لإصابتهن المباشرة، أو بسبب الهلع واستنشاقهن للدخان وغبار القصف.
"حوامل تعرضن للقصف وتم إجهاض أطفالهنّ، ومنهن من استشهدت وأنقذنا حياة الجنين، ومنهن من استشهدت هي وطفلها" وفقا للدقران.
واستشهدت في غزة نحو 11.458 امرأة نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، الذي أوضح ألا إحصائيات دقيقة لعدد الحوامل منهن.
3 توائم ولدوا في الحرب
تابعت أم يوسف حملها في الشهر السابع مع أطباء في المستشفى الأميركي الميداني في قطاع غزة، ووصفت عملية ولادتها القيصرية "بالميسرة"، وجاء للحياة " يوسف، ويارين، ويمان"، 3 توائم ولدوا في الحرب المستعرة على غزة.
تحدثت أم يوسف عن الوضع الصعب الذي واجهها في أثناء وجودها في المستشفى حيث لا غرف ولا أسرة ولا خصوصية، وقالت إن غرف العمليات كانت عبارة عن "خيم".
وذكر الدقران أن أقسام الولادة في مستشفيات غزة تحولت كلها لأقسام جراحة جراء تكدس الإصابات، وأوضح أن العديد من الحوامل أصبن ولزم إجراء جراحة لهن إلا أن الأطباء اضطروا للقيام بالمفاضلة والأولوية كانت للمصابين.
“استخدمنا غرف عمليات النساء الحوامل لبعض الإصابات ما شكل خطرا كبيرا على حياة النساء الحوامل خوفا من انتقال الأمراض لهن" بحسب الدقران.
وولد في غزة نحو 50 ألف طفل خلال الحرب المستمرة في القطاع في ظروف صعبة وغير نظيفة ولم يحصلوا على الخدمات الصحية الأساسية، بحسب بيان لمنظمة إنقاذ الطفل العالمية صدر في تموز الماضي.
لا حليب ولا حضّانات
قال الهمص إن أقسام الولادة بشكل عام تعاني من نقص حاد بالمواد والمستلزمات الخاصة بالنساء الحوامل والأدوات الطبية، بالإضافة إلى فقدان الحضانات في غرف الخداج، لدينا عدد كبير من الأطفال بحاجة للحضانات، لكن غرف الخداج المتوفرة لا تتسع لهذا العدد من حديثي الولادة.
ولد واستشهد 171 رضيعا في غزة منذ بدء الحرب، وقضى 710 أطفال بعمر سنة وأقل من جراء تدهور الأوضاع الصحية في القطاع، بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي، الذي لم يحدد إجمالي عدد الأطفال الذين ولدوا في عام الحرب.
التوائم الثلاثة لأم يوسف عاشوا في وضع صعب نظرا لولادتهم بالشهر الثامن وحاجتهم الماسّة لغرف الخداج، وتم توفير حضانات لهم في غرفة خداج المستشفى الأميركي الميداني "بصعوبة" على ما قالت والدتهم.
ساءت حالة الأطفال حديثي الولادة الذين دخلوا أقسام الحضانة والخداج نظرا لعدم وجود الأدوية وأجهزة الحضانات الكافية في أقسام الخداج بحسب ما ذكر الدقران عازيا ذلك لخروج معظم مشافي قطاع غزة عن الخدمة من جراء الحرب.
وتوقع المدير العام للخدمات الطبية الملكية، العميد يوسف زريقات بداية الشهر الحالي، إرسال المستشفى الميداني الأردني "التوليد والخداج/ خان يونس"، إلى قطاع غزة منتصف تشرين الثاني المقبل.
وقال إن هذا المستشفى يعدّ الأول من نوعه في العالم لأنّه ميداني ومتخصص؛ إذ يتكون المستشفى من غرفة عمليات، وأربع غرف ولادة للولادات اليسرى والعسرى، وخمسة أسرّة إنعاش، وعشرين سريرَ ما بعد الولادة، وعشر حاضنات بقسم الخداج، وهو ملحق بكل اللوازم من منام وإطعام ووحدات ومكملات أخرى ووحدة طاقة شمسية تدعم المستشفى في الأوقات العادية وخلال انقطاع الكهرباء.
ويدار المستشفى الجديد من قبل 82 شخصا من مرتبات الخدمات الطبية من الاختصاصات الطبية والتمريضية كافة.
المملكة