يمعن الاحتلال الإسرائيلي بتعذيب الأسرى الفلسطينيين بدءا من تخفيض كمية الطعام والحرمان من الاستحمام، وصولا إلى الاعتداء الجنسي والضرب حتى الموت، منذ الـ7 من تشرين الأول 2023.

ووثقت العديد من حالات التعذيب من خلال محامي الأسرى في زيارات محدودة، أو ممن خرج مع الأسرى المحررين الذين ظهرت عليهم آثار المعاناة.

وعلى مدار الأشهر الماضية، تظهر عشرات الحالات التي توثق الأوضاع الصعبة التي يخرج بها الأسرى من سجون الاحتلال الإسرائيلي، جميعهم يخرجون في هيئات متشابهة، بشعور رؤوسهم ولحاهم الكثيفة، وبأجساد ضئيلة، ووجوه شاحبة، ويعانون أمراضا وظروفا صحية صعبة.

-أرقام مقلقة-

ووفقا لآخر الإحصائيات الصادرة عن مؤسسات الأسرى الفلسطينية (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) حول حملات الاعتقال من الضفة الغربية بعد السابع من تشرين الأول، فإن حصيلة الاعتقالات بلغت أكثر من 11 ألف حالة اعتقال في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، وهذه الإحصائية تشمل من أفرج عنهم لاحقا ومن تم الإبقاء على اعتقالهم.

وأكدت أن "هذه المعطيات لا تشمل أعداد حالات الاعتقال من غزة، علما أنّ الاحتلال اعترف أنه اعتقل أكثر من 4500 فلسطيني من غزة، أفرج عن المئات منهم، مع الإشارة إلى أن الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضفة الغربية، إضافة إلى فلسطينيين من غزة كانوا موجودين في الضفة بهدف العلاج".

كما بلغت حصيلة حالات الاعتقال من النساء نحو 420 (تشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من أراض احتلتها إسرائيل عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النساء من غزة وجرى اعتقالهن من الضفة الغربية)، ولا يشمل هذا المعطى أعداد النساء اللواتي اعتقلن من داخل غزة، ويقدّر عددهن بالعشرات.

فيما بلغ عدد الأسرى الأطفال من الضفة الغربية 740 طفلا أسيرا، فضلا عن اعتقال 108 صحفيين تبقى منهم رهن الاعتقال 59 صحفيا، ومن بينهم 7 صحفيات.

كما بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أكثر من 8872 أمرا ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد.

وتشير مؤسسات الأسرى إلى أن "ما لا يقل عن 25 أسيرا استشهدوا في سجون الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول، ممن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، بالإضافة إلى العشرات من أسرى غزة الذين استشهدوا في السجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني".

وبلغ إجمالي أعداد الأسرى في سجون الاحتلال حتى بداية أيلول 2024، أكثر من 9900 أسير، فيما يبلغ عدد المعتقلين الإداريين منهم 3323 معتقلا، كما يبلغ عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة بـ (المقاتلين غير الشرعيين) الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال 1612، علما أن هذا المعطى لا يشمل كل معتقلي غزة، وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

كما يبلغ عدد الأسيرات المعلومة هوياتهن 98 أسيرة، وهذا العدد لا يشمل كل الأسيرات من غزة، فقد تكون هناك أسيرات في المعسكرات التابعة للاحتلال، فيما يبلغ عدد الأطفال داخل السجون قرابة 250 طفلا.

وأوضح التقرير أن إجمالي عدد الأسرى في السجون قبل السابع من تشرين الأول كان 5250 أسيرا، منهم 40 أسيرة، و170 طفلا، ونحو 1320 معتقلا إداريا.

- سياسة ممنهجة -

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه تلقى شهادات أسرى فلسطينيين مفرج عنهم من السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية تؤكد ارتكاب جرائم "التعذيب العنيف والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة بحق آلاف المدنيين الفلسطينيين" على نحو منهجي.

وأوضح المرصد أن التعذيب وصل إلى حد "القتل والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والحقن بالإكراه بمواد مجهولة، وترك ندوب وعلامات فارقة" على أجساد الأسرى.

وأضاف أن شهادات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم في قطاع غزة تؤكد أن القوات الإسرائيلية ماضية في نهج التعذيب الشديد والانتقامي من الأسرى على رغم إدراكها أنهم مدنيون.

كما نشر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) في شهر تموز الماضي تقريرا بعنوان (أهلا بكم في جهنم) وجمع خلاله شهادات مروعة عن أوضاع الأسرى داخل سجون الاحتلال.

يوضح التقرير أن "السياسة الجديدة يجري تطبيقها في جميع مرافق الحبس وتسري على جميع الأسرى الفلسطينيين وترتكز أساسا على التعنيف الجسدي والنفسي الشديد والمتواصل، ومنع العلاج الطبي، والتجويع، والحرمان من الماء، والحرمان من النوم، ومصادرة جميع المتعلقات الشخصية وغير ذلك".

ويضيف التقرير "أحد المقاييس التي تدل بوضوح على خطورة الوضع وعمق الانحطاط الأخلاقي في مرافق الحبس هو عدد الأسرى الفلسطينيين الذين لاقوا حتفهم أثناء احتجازهم لدى إسرائيل".

ويؤكد التقرير "منذ السابع من تشرين الأول، طرأ ارتفاع ملحوظ في وتيرة وشدة العنف المنظم الذي استخدمته سلطات السجون ضد الأسرى الفلسطينيين. تكشف إفادات الشهود عن عنف جسدي وجنسي ونفسي وكلامي كان يستخدم بتعسف وعشوائية جعلت الأسرى طوال الوقت تحت التهديد".

كما تعتبر (بتسيلم) أن "حجم العنف الذي كشفته إفادات الشهود يوضح أن التنكيل لم يكن عشوائيا ولا حدثا موضعيا وإنما ترجمة لسياسة هيكلية اتبعت مع الأسرى وكان العنف جزءا لا يتجزأ منها".

وتقول (بتسيلم): "لم تبدأ قصة مشروع السجن الإسرائيلي في 7 تشرين الأول أو بتعيين إيتمار بن غفير وزيرا للأمن القومي، بل إن جذوره أعمق بكثير... يشكل نظام السجن الإسرائيلي إحدى آليات التحكم والقمع التي يستخدمها نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ضمن مسعاه لحفظ التفوق اليهودي في المنطقة... طوال عشرات السنين لجأت إسرائيل إلى سجن مئات آلاف الفلسطينيين بشتى طبقاتهم وشرائحهم السكانية لكي تضعف وتمزق النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني... ووفقا لتقديرات مختلفة، سجنت إسرائيل منذ عام 1967 أكثر من 800 ألف فلسطيني وفلسطينية من الضفة الغربية (بما في ذلك شرقي القدس) وقطاع غزة، أي نحو 20% من مجمل السكان، ونحو 40% من الرجال الفلسطينيين".

- انتهاكات غير مسبوقة -

يروي مرشد الشوامرة من بلدة الرام شمال القدس المحتلة، أحد الأسرى الذين أفرج عنهم من سجون الاحتلال تفاصيل مروعة عن الفترة الأخيرة التي قضاها في سجون الاحتلال، حيث أمضى 16 شهرا بين سجني "النقب" و"ريمون"، كان أصعبها الأشهر التي أعقبت بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل عام.

يقول الشوامرة الذي تعرض لتجربة السجن والاعتقال 5 مرات سابقة، إنه لم يشهد ظروفا أخطر مما شهده في تجربته الاعتقالية الأخيرة، حيث انتهجت إدارة سجون الاحتلال فيها سياسات تعسفية غير مسبوقة، وتعرض خلالها الأسرى لأعمال تنكيل هي الأصعب لدرجة استشهاد العديد منهم جراء ذلك.

ويؤكد أن تصاعد الممارسات العنصرية بحق الأسرى بدأ قبل بداية العدوان على قطاع غزة في شهر تشرين الأول 2023، حيث كان الوزير المتطرف إيتمار بن غفير يقتحم السجون بشكل دوري ويهدد الأسرى، لكنه استغل ظروف الحرب لتنفيذ مخططاته العنصرية والفظائع بحقهم.

ويشير إلى أنه في اليوم التالي لاندلاع الحرب على قطاع غزة تم اقتحام الأقسام وغرف الأسرى بشكل وحشي، وتم الاستيلاء على كل متعلقاتهم الشخصية من ملابس وغيرها، بالإضافة إلى مصادرة أجهزة التلفاز والمذياع وغيرها من الأدوات داخل السجون، كما أوقفت سلطات الاحتلال زيارات الأهالي والصليب الأحمر بشكل كامل، فضلا عن تقييد زيارات المحامين.

ويضيف: "بعد ذلك اليوم لم نكن نعلم أي شيء عن العالم الخارجي ولا عن عائلاتنا وأهالينا، كما أننا تعرضنا لعمليات تعذيب وحشية لم يسبق لها مثيل" معتبرا أن إدارة السجون تسعى من خلال ذلك لقتل الأسرى تماشيا مع مخططات بن غفير.

ويتابع: "لم تترك إدارة السجون أي نوع من الجرائم إلا وارتكبته بحق الأسرى ابتداء من الضرب، والتعذيب، والتجويع، كما أنها ذهبت إلى أبعد حدود الانتهاكات عندما مارس الضباط عمليات تدريب بالذخائر الحية داخل الأقسام وبين الأسرى".

كما يشير الشوامرة إلى أنهم تعرضوا للتجويع الشديد؛ فإدارة السجون كانت تقدم لهم كميات ضئيلة جدا من الطعام لا تتعدى في مجموعها نصف كوب من الأرز على مدار اليوم.

- الضرب بهدف القتل -

وعن عمليات الضرب والتنكيل، أكد أن السجانين كانوا يضربون الأسرى بشكل وحشي بالهراوات الحديدية بقصد القتل، مشيرا إلى أنه تعرض في أحد الأيام لعمليات ضرب شديدة بالهراوات الحديدية من ثمانية سجانين مجتمعين، وهو ما أدى إلى إصابته بكسور شديدة في قفصه الصدري، مؤكدا أنه لم يقدم له أي علاج بعد تعرضه للإصابة البليغة وبقي لا يقوى على الحركة لفترة طويلة.

ويستذكر الشوامرة واحدة من أصعب الحالات التي حدثت في القسم الذي كان محتجزا فيه في سجن "النقب"، وهي حادثة استشهاد الأسير ثائر أبو عصب في شهر تشرين الثاني 2023 الذي تعرض للضرب حتى الموت من السجانين لمجرد أنه سأل أحد السجانين إن كانت هناك هدنة مرتقبة في غزة، وبعد استشهاده أبقاه السجانون ملقى على الأرض لساعتين قبل نقله.

روايات كثيرة وتفاصيل مرعبة عن الانتهاكات بحق الأسرى التي ليس لها نهاية، وفقا للشوامرة، مشيرا إلى أن من أقسى ما عاناه الأسرى داخل السجون خلال العام الأخير هو انعدام النظافة الشخصية وما تبعها من تفشي لأمراض جلدية ومنها مرض السكابيوس (الجرب)، وذلك بسبب قطع المياه عن الحمامات في السجون، وعدم إدخال أدوات النظافة الشخصية والمنظفات، فضلا عن عدم قدرة الأسرى على تنظيف ملابسهم وغسلها كما يجب، فكل أسير بعد مصادرة ملابسه بقي لديه غيار واحد أو اثنان كأقصى حد، يعمل على غسلها يدويا دون منظفات وارتدائها وهي رطبة دون تجفيف.

ويؤكد الشوامرة أنه وجميع الأسرى في قسمه لم يستحموا على مدار شهر كامل مع بداية الحرب على غزة؛ إذ عملت إدارة السجون على قطع المياه عن الحمامات في السجون، وبعد شهر بدأت مصلحة السجون بتشغيل المياه لمدة قصيرة جدا في اليوم، كما أن الأسرى كانوا يؤجلون قضاء الحاجة لحين توافر المياه، وهو ما أدى لمضاعفات صحية لديهم، عدا أنهم لا يتمكنون من الاستحمام سوى مرة كل تسعة أيام لمدة لا تتجاوز ثلاث دقائق بالماء فقط دون مواد تنظيف وعناية.

يقول الشوامرة: "في القسم الذي كنت فيه في سجن ’ريمون’ تفشى مرض الجرب وغيره من الأمراض الجلدية، ووصلنا إلى مراحل خطيرة، كما أننا أمضينا الفترة الأخيرة لا يتحرك فينا سوى أعيننا أنا وجميع الأسرى معي في الغرفة؛ بسب حالة الإعياء الشديد الناتجة عن سوء التغذية ومضاعفات المرض التي أدت إلى نحول شديد وظهور طفح وتسلخات وتقيحات شديدة أشبه بالحروق على أجسادنا".

خرج الشوامرة في نهاية المطاف من السجن محملا بمضاعفات صحية صعبة قد يطول علاجها، حيث فقد أكثر من 20 كيلوغراما من وزنه، كما أن نسبة دمه انخفضت بشكل كبير، فضلا عن الالتهابات الشديدة التي يعاني منها، والمشاكل في الكلى.

وفي واحدة من أفظع الحالات التي تجسّد حجم الإجرام والتنكيل الذي تعرض له الأسرى داخل السجون قصة الشهيد فاروق الخطيب من قرية أبو شخيدم شمال غرب رام الله، الذي استشهد في شهر أيار الماضي بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال بعدة أشهر أمضاها في المستشفيات.

ويؤكد حسام الخطيب شقيق الشهيد فاروق أن شقيقه اعتقل في شهر آب من العام الماضي قبل شهرين من العدوان على غزة، وفي حينها كان ذا بنية قوية وبصحة جيدة، ولم يكن يعاني من أي أمراض.

ويضيف أنه مع بدء إجراءات التنكيل بحق الأسرى في شهر تشرين الأول 2023، وأثناء وجوده في قسم "المعبار" داخل سجن "الرملة" خلال نقله من سجن "عوفر" إلى سجن "نفحة"، تعرض للضرب المبرح من قوات القمع "النحشون" على معدته وأمعائه، مما أدى لإصابته بآلام مزمنة وأعراض خطيرة.

وخلال شهرين كاملين منذ إصابته ظل الخطيب يعاني تدهورا متزايدا في وضعه الصحي تمثل بانسداد الأمعاء، مما أدى إلى انتفاخات شديدة في أمعائه، وفي المقابل نزل وزنه بشكل كبير من 75 إلى 22 كيلوغراما في فترة قياسية، بعد ذلك تم نقله إلى عيادة سجن "الرملة" ومن هناك إلى مستشفى "سوروكا" في بئر السبع.

ويؤكد شقيقه أنه تعرض لمعاملة قاسية في عيادة سجن "الرملة" وكذلك في مستشفى "سوروكا" حيث شخّص هناك بأنه مصاب بالسرطان، ورغم ذلك كان مكبل اليدين، كما تعرض للاعتداء والمعاملة القاسية حتى من الأطباء والممرضين، وفقا لما رواه لهم بعد خروجه.

ويرى الخطيب أن شقيقه فاروق تعرض للقتل الطبي، حيث أجريت له عملية جراحية فتح خلالها جسده من صدره حتى أسفل البطن، معتبرا أن هذه العملية كانت أشبه بالسلخ وهي أبعد ما تكون عن كونها إجراء طبيا، إذ عانى على إثرها من مضاعفات أكبر وتدهورت حالته الصحية وبقي يعاني لحين استشهاده.

والعام الأصعب الذي مر على الأسرى لم يقل صعوبة على ذويهم، الذين انقطعت عنهم أخبار أبنائهم نهائيا.

وتظهر صعوبة هذا الوضع من منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كتبته مواطنة من محافظة جنين بعد انتشار فيديو مسرّب لعمليات التنكيل بالأسرى داخل سجن "مجدو" مطلع شهر أيلول الماضي، أشارت فيه إلى أنها منذ اعتقال شقيقها منذ عام لم تعرف شيئا هي وعائلتها عن أحواله لحين رؤيته في حالة مزرية من خلال الفيديو المسرّب لعمليات التنكيل بالأسرى.

في هذا السياق، يؤكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين قدورة فارس أن واقع الأسرى بعد العدوان على غزة تحول من واقع صعب إلى واقع أصعب وأخطر، لدرجة أن استمرار هذا الوضع يهدد حياة المئات بل الآلاف من الأسرى.

ويشير إلى أن سلسلة الانتهاكات والعقوبات التي اتخذتها إدارة السجون بحق الأسرى منذ عام لها انعكاساتها وتأثيراتها الكبيرة جدا على حياتهم داخل السجون، كما تمتد تبعاتها عليهم حتى بعد خروجهم من السجن بمضاعفات وأمراض خطيرة.

ومن أبرز الانتهاكات التي تم توثيقها بهذا الصدد: التجويع، والإهمال الطبي، والتعذيب، والاعتداءات بمختلف أشكالها، ويضاف إلى كل هذه الانتهاكات، انقطاع كامل للأسرى عن العالم الخارجي، ومنع زيارات الأهالي والصليب الأحمر لهم، وتقييد كبير على زيارات المحامين وعرقلتها.

وأوضح فارس أنه نتيجة لكل هذه الإجراءات ازدادت أعداد الأسرى الذين يتعرضون لمخاطر كبيرة على حياتهم، كما ازدادت أعداد الشهداء الأسرى بشكل غير مسبوق وغالبيتهم بسبب التعذيب الشديد والضرب؛ فضلا عن الإهمال الطبي الممنهج، حيث تم توثيق استشهاد 25 أسيرا داخل السجون، من الأسرى المعروفة أسماؤهم وأماكن اعتقالهم.

- جريمة الإخفاء القسري -

في حين هناك أعداد كبيرة غير معلومة من أسرى قطاع غزة الذين يتعرضون لجريمة الإخفاء القسري في السجون والمعسكرات، وحتى الآن لا معلومات دقيقة عن أعدادهم أو عدد الشهداء منهم الذي قد يكون بالمئات؛ بسبب جرائم الإعدامات الميدانية والتعذيب بعد الاعتقال.

وحول خطورة جريمة الإخفاء القسري التي يرتكبها الاحتلال بحق آلاف الأسرى من قطاع غزة، أوضح فارس أن الخطورة تكمن في عدم وجود أي معلومات عن أعداد هؤلاء الأسرى أو هوياتهم أو مصيرهم، فالإخفاء القسري الذي يصنف في الشرائع والقوانين الدولية على أنه جريمة ضد الإنسانية، يتيح للاحتلال ارتكاب جرائم بحق الأسرى دون رقيب أو حسيب.

وحول ازدياد أعداد الأسرى الشهداء، أكد فارس أن ذلك يحمل مؤشرات في منتهى الخطورة؛ بسبب الاستخدام الممنهج للتعذيب داخل السجون، بالإضافة إلى التنكيل والإهمال الطبي بقصد القتل.

كما أن مخاطر التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي تمتد لتشمل حياة المئات من الأسرى الذين قد يرتقون شهداء نتيجة استمرار هذه الإجراءات داخل السجون، أو نتيجة مضاعفاتها وتبعاتها حتى بعد خروجهم.

وحمّل فارس المسؤولية للمؤسسات الدولية والمجتمع الدولي الذي أثبت عجزه عن كبح جماح الاحتلال وإلزامه بتطبيق الشرائع والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الأسرى، كما أن هذه المؤسسات والدول لم تتخذ أي إجراءات أو قرارات من شأنها وضع حد لذلك، وهذا عمليا شجّع الاحتلال على الاستمرار في جرائمه.

- تجريد من الحقوق الإنسانية -

بدوره، يشير رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري إلى أن وتيرة الاعتقالات في ظل العدوان و"الإبادة الجماعية" ارتفعت بشكل غير مسبوق، وشملت مختلف فئات المجتمع من مختلف الفئات العمرية، لدرجة أن عدد الأسرى داخل السجون وصل إلى الضعف خلال عام واحد فقط.

ويؤكد أن ما يجري من انتهاكات "خطيرة وغير مسبوقة" بحق الأسرى داخل السجون هو امتداد للإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال بحق الفلسطينيين؛ إذ تحولت السجون إلى معازل تفتقد لمقومات الحياة الإنسانية بعد تجريد الأسرى من كامل حقوقهم الإنسانية، بالإضافة إلى عزلهم بشكل كامل عن العالم الخارجي وحرمانهم من زيارات الأهالي، وتزامنا مع ذلك ممارسة الإهمال الطبي والتعذيب والتنكيل الممنهج المؤدي إلى القتل، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء في صفوف الأسرى.

واعتبر أن هذا العام هو الأقسى على الحركة الأسيرة منذ عقود، وأصبحت ظروف الاحتجاز والاعتقال خلاله في منتهى الخطورة، تمثلت بتحويل السجون والمعتقلات إلى مراكز لعمليات الانتقام والعقاب الجماعي التي تنفذها إدارة السجون بتعليمات من القيادات السياسية وعلى رأسهم الوزير المتطرف بن غفير، مع العلم أن هذه الاعتداءات ترقى لكونها جرائم بحق الإنسانة.

وأكد الزغاري أن ابن غفير قبل الحرب كان يسعى للانقضاض على حقوق الأسرى، واستغل ظروف الحرب لتنفيذ مخططاته القمعية، بالإضافة إلى الانقضاض على كل الحقوق التي حققها الأسرى خلال سنوات بتضحيات عظيمة.

وأوضح أن ابن غفير يعمل ويسعى لتمرير العديد من القوانين والتشريعات العنصرية مستغلا الظروف الراهنة، معتبرا أن قانون إعدام الأسرى واحد من القوانين التي يسعى ابن غفير لإنفاذها، مؤكدا أنه يعمل على سن وعرض مثل هذه التشريعات في إطار التنافس الحزبي داخل إسرائيل.

وأضاف: "بكل حال الاحتلال يمارس الإعدام بحق الأسرى خارج نطاق القانون، من خلال عمليات التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي الممنهج".

ويعتبر الزغاري أن من أخطر الملفات فيما يتعلق بالأسرى حاليا هو ملف أسرى غزة الذين يمارس الاحتلال جريمة الإخفاء القسري بحقهم، ولا معلومات كافية عنهم وعن ظروف احتجازهم.

وأكد أن كل ما وصل حتى الآن من معلومات شحيحة يشير إلى واقع سوداوي وجرائم ضد الإنسانية تنفّذ بحقهم، وهذا يتضح من الشهادات التي خرجت من معسكر "سدي تيمان" من خلال أحد المحامين الذي تمكن من زيارته ونقل شهادات مروعة عن عمليات تعذيب وحشية وأعمال اغتصاب فردي وجماعي بأساليب مروعة، فضلا عن عمليات بتر الأطراف وغيرها من الممارسات التي تعتبر جرائم ضد الإنسانية وفقا للقانون الدولي.

- جرائم بحق الجرحى -

كما أوضحت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، في بيان مشترك نشر مطلع شهر تشرين الأول الحالي أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومنذ بدء الحرب صعدت من عمليات اعتقال الجرحى، سواء من أُصيب قبل اعتقاله بمدة أو من أُطلق عليه النار خلال عملية اعتقاله، كما وصعدت من عمليات الإعدام الميداني خلال حملات الاعتقال المستمرة والمتصاعدة بشكل غير مسبوق".

وأضافت الهيئة والنادي أن "الاحتلال يحتجز العشرات من الجرحى داخل السجون في ظروف قاسية جدا ومأساوية، حيث تمارس إدارة السجون جملة من الجرائم بحقهم، أبرزها الجرائم الطبية، عدا أنها حولت إصابات الأسرى إلى أداة للتنكيل بهم، وتعذيبهم".

كما وثقت مؤسسات الأسرى مؤخرا جرائم ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق المصابين الأسرى، ومنها جريمة إعدام الشهيد عبد الحكيم مأمون شاهين (33 عاما) من مدينة نابلس، مطلع شهر تشرين الأول الحالي بعد إطلاق النار عليه، ومنع الطواقم الطبية من علاجه واعتقاله بوضع صحي خطير، ثم أبلغ الاحتلال عن استشهاده لاحقا، واحتجاز جثمانه.

كما استشهد الأسير وليد أحمد خليفة (30 عاما) من مخيم العين في نابلس خلال شهر أيلول الماضي بعد ساعات على اقتحام منزل عائلته، وإطلاق النار عليه واعتقاله.

ونشرت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين ونادي الأسير الفلسطيني شهادتين لأسيرين، عبر المحامين الذين زاروا مجموعة من الجرحى في عدة سجون، منها (مجدو، والرملة).

وبحسب البيان الصادر عن الهيئة ونادي الأسير، فقد عكست إفاداتهم وشهاداتهم مستوى الجرائم المركبة التي نُفّذت بحقّهم منذ لحظة اعتقالهم، مروراً بالتّحقيق، وحتّى بعد نقلهم إلى السّجون.

ونقل البيان إفادة أسير بالغ من العمر 26 عاماً، ومعتقل إداريا منذ شهر آذار 2024، ولم يذكر اسمه.

وقال، إنه تعرض لإصابة برصاص الاحتلال قبل اعتقاله بمدة، إذ أصيب برصاص متفجر في البطن، مضيفا أنه خضع لعدة عمليات جراحية، وتم وضع كيس خاص للإخراج، بعد أن سببت الإصابة ضررا كبيرا لها في الأمعاء.

وأشار إلى أنه عند اعتقاله حضرت قوة خاصة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، التي عصبت عينيه إلا أنهم اضطروا لترك "العكاز" معه كونه لم يكن قادرا على المشي.

وتابع: "لاحقا نقلوني إلى أحد المعسكرات وهناك تم تقيدي بقيود بلاستيكية وقاموا بضربي مستخدمين ’البساطير’، وأيديهم، ثم جرى نقلي إلى معتقل (حوارة)، وتم تركي لمدة يومين وأنا ملقى على الأرض، وفي اليوم الثالث تم اقتيادي إلى سجن (الرملة)، واحتجزت فيه لمدة شهر، وجرى نقلي عدة مرات للتحقيق، ولاحقا تم تحويلي إلى الاعتقال الإداري، وجرى نقلي إلى سجن (مجدو)، حيث أعاني اليوم من أوجاع شديدة وغير محتملة".

وفي إفادة أخرى لأسير محتجز في سجن (مجدو) لم يذكر اسمه، قال، إن قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت منزل عائلته في شهر آذار الماضي، وعند عملية اعتقاله، قاموا بتفجير باب المنزل، وانهالوا عليه بالضرب المبرح مستخدمين "بساطيرهم والهراوات".

وأضاف أنهم كسروا أسنانه في الفك العلوي جميعها، ولم يتبقَ سوى سن واحدة فقط، كما استمروا بضربه بشكل مبرح على أنحاء جسده، وتعمدوا ضربه بمكان الإصابات في جسده، إحداها في اليد اليمنى التي تسببوا في كسرها.

وتابع أنه بعد عملية اعتقاله نقلت إلى سجن حوارة، حيث تم تقييده، وتعصيب عينيه، طوال هذه المدة.

وأشار إلى أنه كان ينزف من فمه، إذ تم نقله إلى مشفى لم يذكر اسمه، مضيفا أنه نقل إلى سجن "عوفر" وبقي فيه قرابة 4 أشهر.

وبين أنه في فترة التحقيق كان يتم نقله في كل مرة من سجن "عوفر" إلى "سالم" قائلا إن معاناته تضاعفت جرّاء عمليات النقل المتكررة، إذ كان مضطرا لربط يده المكسورة بسترته من شدة الألم.

وأضاف: "وما زلت حتى اليوم أعاني من التهابات شديدة في أماكن الإصابات، والتي تحوّلت إلى أداة للتنكيل بي على مدار الوقت مع حرماني من العلاج، إلى جانب الظروف الاعتقال القاسية، وأعتمد في تلبية احتياجاتي على رفاقي الأسرى حيث جرى نقلي منذ فترة إلى سجن (مجدو)".

- انتهاكات خلال زيارات المحامين -

وفيما تطرق مدير الدائرة القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين المحامي جميل سعادة إلى ظروف زياراتهم كمحامين للأسرى مؤخرا، التي تشهد جملة من الانتهاكات والمخالفات للقوانين الدولية التي تكفل للأسير الحق بلقاء المحامين بشكل دوري وبسرية تامة.

وأضاف أن زياراتهم كمحامين للأسرى في بداية الحرب انقطعت شهرين كاملين، ولاحقا تم السماح بها لكن بقيود شديدة، ويحدث خلالها انتهاكات عديدة بحق المحامين والأسرى، وفي كثير من الأحيان بعد وصول المحامين لأبواب السجون يتم إلغاء الزيارات وإعادتهم دون تمكينهم من لقاء الأسرى..

وعن ظروف التقاء الأسير مع المحامي، يؤكد سعادة أن الكثير من الأسرى يتعرضون للضرب خلال توجههم للزيارة، كما أنهم يتعرضون لتهديدات شديدة حتى لا يخبروا المحامي بما يتعرضون له من انتهاكات وأعمال تنكيل وتعذيب.

ويضيف "نلتقي مع الأسير من خلف الزجاج ونكلمه عبر خط هاتفي. عدد كبير من الأسرى كانت تظهر عليهم علامات ضرب وتعذيب حديثة، وعند سؤالهم يمتنعون عن الحديث نهائيا؛ بسبب التهديدات من السجانين الذين يقفون إلى جوار الأسير خلال الزيارة".

المملكة