اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية، التي وقعها الطرفان قبل 24 عاما، أفضت إلى "سلام بارد" تستفيد منه إسرائيل أكثر من الأردن، في ظل خروقات إسرائيلية متكررة قد تستوجب تعديل المعاهدة، وفق آراء سياسيين ومختصين.
ويرى سياسيون ومراقبون أن اتفاقية السلام تخدم الإسرائيليين أكثر مما تخدم الأردن، ولا تحظى بقبول شعبي واسع بين الأردنيين، لكنها ساعدت المملكة على كسب احترام دولي أكبر، وشكّلت متنفسا لفك العزلة عن الفلسطينيين.
عند الحديث عن معاهدة السلام، يقول رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، يجب تذكر الظروف التي عقدت فيها الاتفاقية، وتشمل الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في معاهدة أوسلو التي وقعت في 1993.
"الأردن احتاج أن يتأقلم مع أوضاع وقرارات الآخرين وأن يفكر في حدوده"، يقول المصري، الذي وصف السلام بين الأردن وإسرائيل بأنه "سلام بارد، لم يحقق الأهداف المرجوة منه، ولم يُحدث أي تغيير جذري على العلاقات، خاصة الاقتصادية".
حتى الآن، علاقة الأردن مع إسرائيل ضمن الاتفاقية "دفاعية أمام التخطيط الاستراتيجي الصهيوني" الذي يفرض ضغوطا اقتصادية ونفسيّة على الفلسطينيين سكان المناطق المحتلة عام 1967، يشرح رئيس الديوان الملكي الأسبق، عدنان أبو عودة، لموقع المملكة الإلكتروني
"السلطة الفلسطينية ارتكبت خطأ مميتا عندما وافقت على طلب إسرائيل جعل ملفات القدس والحدود واللاجئين من قضايا الوضع النهائي" تؤجل مناقشتها إلى حين التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يقول أبو عودة، مضيفا أن الأردن فاوض على السلام مع إسرائيل بناء على ذلك.
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، حسن البراري، يؤيد المصري.
"الاتفاقية صمدت أمام تقلبات، لكنها أقرب إلى هدنة منها إلى أي شيء آخر، ولم يترتب عليها علاقات تطبيعيّة،" يقول البراري.
"الجانب الإسرائيلي لم يفهم أنه من المستحيل عزل العلاقة الثنائية الأردنية الإسرائيلية عن المسار الفلسطيني، ومن ثم لم تحقق الإنجازات المأمولة في ذلك الوقت التي وُعد الناس بها، مثل عوائد السلام"، يضيف البراري.
بل ما حدث هو العكس، وفق البراري، الذي يرى أن "عملية السلام تدهورت؛ ولذلك بقيت العلاقات الأردنية الإسرائيلية في إطارها الرسمي الضيق، وفشل التطبيع شعبياً".
خروقات متكررة
حتى بعد مرور أكثر من عقدين على إبرام المعاهدة، فإن "السلام الشامل لم يتحقق، وما زالت إسرائيل تمارس تعنتها وخروقاتها لكل مبادئ حقوق الإنسان تجاه الفلسطينيين، وما زالت مستمرة في تهويد القدس، وقضم ما تبقى من أراضي الضفة الغربية"، يقول المحام والمحكم الدولي، عمر الجازي.
"كل هذا أدى إلى سلام بارد بين الأردن وسلطات الاحتلال؛ بالإضافة إلى ما تنتهجه إسرائيل من خروقات لأحكام المعاهدة ذاتها والتضييق على الأردن كلما أتيحت لها الفرصة"، وفق الجازي.
الأردن وقع الاتفاقية لأنه جاد ومؤمن في إحلال السلام.
"لكن إسرائيل قامت بخروقات عديدة ومتلاحقة للمعاهدة، كان أهمها خرق المادة التي تتحدث عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية،" يبين النائب مصطفى ياغي.
المادة (9) من الاتفاقية تنص على أن "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".
ياغي يضيف أن إسرائيل "حاولت تغيير معالم الأقصى مرات عدة، واستباحة ساحاته، وتهويده ومنع المصلين من دخوله، وارتكاب المجازر، وتسهيل الأمر للمستوطنين".
بالإضافة لذلك، شملت الخروقات الإسرائيلية محاولة إنقاص حصة الأردن من المياه، والخروقات على الحدود، وترك الخنازير لتأكل من مزروعات الأردنيين الموجودة بمحاذاة الحدود، وكذلك قيام حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان بقتل مواطنين اثنين في يوليو 2017، حسب ياغي.
المحلل السياسي لبيب قمحاوي قال إن إسرائيل أخلّت بالبنود التي تتعلق بالمياه وأمن الأردن الداخلي، عندما حاولت اغتيال مسؤول حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خالد مشعل، في عمّان في 1997، ولم تحترم الحقوق الفلسطينية بشكل عام، وهو الموضوع الذي يلتزم به الأردن طوال الوقت.
"إسرائيل تعتدي على حقوق الأردن في المياه الجوفية المشتركة،" وفق قمحاوي.
لكن البراري يقول إن الأردن "يستقبل أكثر من 30 مليون متر مكعّب سنوياً من المياه، ولم يكن يستقبلها من الجانب الإسرائيلي قبل المعاهدة، وهذا يعد تغيراً".
الأردن يحترم الاتفاقيات، "وإسرائيل لم تفعل ذلك، خاصة في موضوع القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات في مدينة القدس"، وفق المصري، الذي يقول إن "تيارا قويا في الأردن ضد مفهوم اتفاقية السلام".
ما الذي استفاده الأردن من المعاهدة؟
يقول ياغي إن "الأردن لم يستفد من المعاهدة سوى أنه شكّل الرئة الحقيقية لفلسطين، بإدخال المساعدات، وإقامة المستشفيات الميدانية، وتسهيل عملية المرور والحركة عبر معبر الملك حسين والمعابر الأخرى".
لكن المعاهدة ساعدت الأردن على كسب احترام دولي أكبر، خاصة في الساحة الأميركية، "فجزء كبير من المساعدات الأميركية هو نتيجة معاهدة السلام"، وفق البراري.
رئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي قال مؤخرا في تصريحات عبر شاشة قناة المملكة إن "أي معاهدة بين طرفين يكون فيها خاسر ومنتصر.
"الأردن كان خاسرا، ولم يعترف بذلك ... نحن الدولة الوحيدة المحددة بالوطن البديل، ونحن لنا أراضي محتلة"، بحسب المجالي.
ويرى قمحاوي أن المعاهدة تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الأردن وإسرائيل بما يخدم هدفا أردنيا واحدا، ويخدم أهدافا إسرائيلية عديدة.
"إسرائيل تنصلت من كافة التزاماتها تجاه الأردن في كل بنود المعاهدة، باستثناء تطبيع العلاقة، وضمان أمن الحدود،" حسب قمحاوي.
تعديل المعاهدة
المجالي قال إنه "يمكن إعادة النظر ببعض بنود معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بأراضي الباقورة والغمر، وحصة الأردن من المياه"، مؤكدا أن "الأردن أخذ حقوقه المائية كافة".
لكن البراري يستبعد ذلك.
"في ظل انزياح المجتمع والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة نحو اليمين، أصبح من الصعب إيجاد شريكٍ إسرائيلي يقبل بالتعديل.
وفيما تساءل المجالي عن مغزى قبول إسرائيل بتعديل المعاهدة "وهي تمثل الطرف الرابح"، يقول البراري إن المجتمع الدولي لا يمارس ضغطا على إسرائيل لتعديل الاتفاقية.
ويحمل قمحاوي وجهة نظر مشابهة؛ إذ يرى أن "الاتفاقية أصبحت أمرا واقعا، ولم يعد في التعديل عليها ما يفيد الأردن، إلا إذا وافقت إسرائيل على اقتسام حقوق المياه بعدالة، وهو موضوع بالنسبة لإسرائيل استراتيجي مصيري، ولا يمكن أن يوافقوا عليه".
ولا يعتقد قمحاوي بجدوى تعديل الاتفاقية مع إسرائيل؛ لأنه "لا توجد ضمانات للأردن بأن إسرائيل ستحترم التزامها" الجديد.
ويقول ياغي إن "الكثير من ملاحق الاتفاقية يجب إعادة النظر فيها في إطار الخروقات أهمها ملحق المياه، وموضوع اللاجئين" على غرار قرار جلالة الملك عبد الله الثاني بإلغاء ملحقي الباقورة والغمر من الاتفاقية.
"هناك تعارض استراتيجي أساسي بين المصالح الأردنية والإسرائيلية، والبحث عن نقاط لقاء هو أمر يزداد صعوبة"، وفقا لقمحاوي.
لكن الجازي يرى أن باستطاعة الأردن التصدي لإسرائيل.
"الأردن يستطيع أن يتصدى للخروقات الإسرائيلية إما عن طريق تفعيل أحكام المعاهدة ذاتها، عبر طلب للمشاورات، أو حتى اللجوء إلى التفاوض. وفي حال الفشل يحق للأردن اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم، كما نصت المادة 29 من المعاهدة"، وفق الجازي.
المملكة