لا يرغب أبو يوسف الحريري بالخروج من مخيم الزعتري، ويقول إن المخيم بلده، بعد أن ألف المحيط والظروف، لكن أبو زيد لا يجد في المخيم ما يجذبه للبقاء، لأنه يرى الظروف خارج المخيم الصحراوي أقسى.
بعد عقد من افتتاح مخيم الزعتري للاجئين السوريين الذي يعد خامس أكبر مخيم في العالم، وأكبر تجمع للاجئين السوريين في العالم، يبدو أنه أصبح حاضنا للاجئين الذين لا يُمكنهم الصمود ماديا أمام الأعباء المالية التي تتزايد في الخارج، في ظل تخفيض المساعدات المقدمة للخارجين منه.
يقيم في مخيم الزعتري (10 كيلومترات شرق مدينة المفرق) 81817 لاجئا من أصل 675854 لاجئا مسجلا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، لكن الحكومة تتحدث عن وجود 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة في 2011.
يسكن أبو يوسف الحريري كرفاناً مع عائلته المكونة من 11 شخصا، مما اضطره لإضافة ملاحق من "الزينكو" (صفيح يستخدم في البناء) لاستيعاب أفراد العائلة.
ويوجد في المخيم نحو 25 ألف كرفان وهي بيوت معدنية جاهزة، لكن العائلات تحاول توسيع تلك الكرفانات وإصلاح المتهالك منها من خلال ألواح من "الزينكو".
كرفانات في مخيم الزعتري وتظهر في الصورة إضافات من ألواح الزينكو. (صلاح ملكاوي/ المملكة)
يقول أبو يوسف (51 عاما) والذي تظهر عليه ملامح ستينية، لـ"المملكة"، إن المخيم بلده وينتمي إلى المخيم وأهله، بالرغم من علمه بـ"عدم وجود مستقبل للمخيم"، أما أبو زيد (35 عاما) يبدو رافضا للواقع وغير متقبل له.
"لا أرى أي مستقبل وأنتظر الفرج من الله"، بحسب أبو زيد الذي قدم للمخيم من "درعا - الكرك الشرقية" بصحبة زوجته وابنته، ويقول إن "المخيم لا يعني لي شيئاً وأتمنى الخروج منه".
خرج أبو زيد لفترة إلى الصريح في محافظة إربد، لكنه عاد لعدم تمكنه من مجاراة الأعباء المالية في ظل تخفيض المساعدات على الخارجين من المخيم، ويقول أبو زيد الذي كان يعمل في سوريا كعامل إنشاءات إن دخله الحالي يعتمد على المساعدات بشكل كلي، كما أن عائلته الآن أصبحت تتكون من 6 أشخاص.
جد وأبناء وأحفاد
يرفض أبو يوسف الذي دخل المخيم في آب/ أغسطس 2012 قادما من "درعا - الصورة" التي عانت من قصف واضطرابات أمنية، الخروج من المخيم، وينشط في المخيم كأحد الوجهاء فيه.
ويصف نشاطه في المخيم بـ"الإصلاح بين الناس" بأنه "جهاد"، ويقول إنه كان رئيسا لقطاع في المخيم الذي يتكون من 12 قطاعا (منطقة) ويستلم المعونات ويوزعها على السكان، ويُصلح بين المتخاصمين ويتوسط بينهم.
دخل أبو يوسف المخيم بعائلة مكونة من 11 شخصا، لكن السنوات العشرة الماضية جعلت تلك العائلة تصل لنحو 30 فردا يعيشون كلهم في المخيم، بعد زواج أبنائه وولادة أحفاده.
ولا يزال إبراهيم (13 عاما) نجل أبو يوسف، الذي يهتم بضيوف الكرفان ويقدم لهم القهوة العربية، يتذكر مشاهد من بلدته في سوريا، ودراجته والحمص المزروع أمام البيت ولهوه على سطح المنزل، على حد وصفه.
خرج إبراهيم من المخيم مرتين نحو المفرق والصريح، لكنه يرى المخيم أجمل، ويقول "هون أصحابي"، أما الحفيد أحمد (10 سنوات) الذي يلهو حول جده أبو يوسف، قال إن جده يحدثه عن القذائف التي كانت تسقط في سوريا.
أحمد خرج لمدة شهر مع والده إلى السلط، لكنهم عادوا، ويقول وهو يتكئ على دراجة كهربائية قديمة إنه يحب المخيم أكثر.
يعتمد سكان المخيم على الدراجات الهوائية بشكل أساسي للتنقل بين أطراف المخيم الذي تبلغ مساحته 5.3 كيلومترات مربعة، بعد أن تبرعت بلدية أمستردام عام 2015 بـ500 دراجة ليرتفع العدد بعد ذلك.
ويعتمد البعض في تحركه ونقل البضائع على الحمير التي تجر بعضها عربات خشبية، تتنقل بشكل في الغالب بين المحال التجارية التي تبلغ نحو 1800 محل يعمل بها نحو 3600 لاجئ، وفق المفوضية.
دراجات هوائية وعربة خشبية يجرها حمار في مخيم الزعتري. (صلاح ملكاوي/ المملكة)
خيام وبرد وغبار
بدأ اللاجئون السوريون في الوصول عبر الحدود إلى الأردن، في 15 آذار/ مارس 2011 في ظل امتداد الاحتجاجات والاضطرابات في درعا الواقعة جنوب سوريا.
سكن اللاجئون في البداية في مساكن خاصة (سكن البشابشة) في مدينة الرمثا، وبحلول نهاية 2011، كان هناك 1842 لاجئاً سورياً مسجلاً لدى المفوضية بشكل رسمي، لكن عدد من وصل الأردن كان أكثر بكثير.
"المجتمع الأردني رحب بمعظم العائلات اللاجئة، وأشارت تقارير (في 2011)، إلى وجود نحو 337 عائلة سورية تعيش مع أسر مضيفة أردنية في كل المفرق والرمثا"، وفق المفوضية.
ومع استمرار موجة اللجوء السوري، افتُتح مخيم الزعتري للاجئين السوريين في محافظة المفرق في 29 تموز/ يوليو 2012، بعد شهور من الاستعدادات.
قبل افتتاح مخيم الزعتري، اعتُمدت أربعة مراكز عبور مكتظة بالقرب من الحدود، لإيواء معظم الوافدين الجدد (قرابة 10 آلاف لاجئ سوري).
وقدرت المفوضية حينها وصول نحو 1500 لاجئ إلى الأردن كل ليلة عبر المعابر الحدودية غير الرسمية، ومعظمهم من محافظة درعا جنوب سوريا.
لم يكن الزعتري هو المخيم الوحيد، فكان هناك مخيم الحديقة في الرمثا الذي افتتح في 27 تموز/ يوليو 2012، ومخيم مريجيب الفهود (المخيم الإماراتي الأردني) في محافظة الزرقاء الذي افتتح في 10 نيسان/ أبريل 2013، ومخيم الأزرق في محافظة الزرقاء الذي افتتح في 30 نيسان/ أبريل 2014.
لا ينسى أبو يوسف كيف بدى مخيم الزعتري عند وصوله في آب/ أغسطس 2012، وكيف كانت الأشهر الأولى منه، كانت "خياما وبردا وغبارا"، قبل توزيع الكرفانات على اللاجئين واختفاء الخيام لاحقا.
"حل مؤقت"
يقول المتحدث باسم المفوضية في الأردن مشعل الفايز لـ"المملكة"، أن مخيّم الزعتري يبقى "حلا مؤقتا" للاجئين بالرغم من مرور 10 أعوام على تأسيسه.
"يسكن في المخيم 81 ألف لاجئ ويتلقون جميع الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وغيرها، بالإضافة لمساعدات تقدمها المفوضية وشركائها. وعبر السنوات، استمرت المفوضية وبالتعاون مع السلطات المحلية والشركاء بالبحث عن سبل تحسين مستوى الخدمات لتوفير الاحتياجات الأساسية للاجئين وتمكينهم من الاعتماد على أنفسهم من خلال فرص العمل"، وفق الفايز.
يشدد الفايز على أن "المخيم ليس هو الحل الدائم".
مخاوف تُبعد العودة
يرفض أبو زيد وأبو يوسف العودة إلى سوريا، نظرا لاعتبارات أمنية تحدثا عنها وكذلك الوضع المعيشي الصعب، فيما بلغت آخر حصيلة لعدد العائدين من مخيم الزعتري إلى سوريا 5476.
ووفق مسح أجرته المفوضية مطلع 2022 ونشرته في حزيران/ يونيو بشأن نوايا وتصورات اللاجئين السوريين بشأن العودة، فإن 36% من اللاجئين السوريين في الأردن يرغبون في العودة في غضون 5 سنوات، لكن 2.4% من اللاجئين السوريين المستجيبين للمسح في الأردن لديهم نية للعودة إلى سوريا خلال عام.
ولا تزال المخاوف المتعلقة بالسلامة والأمن هي أهم ما يُقلق اللاجئين، تليها مخاوف متعلقة بفرص كسب العيش والخدمات الأساسية غير الكافية، وفق المفوضية التي تقول إنها "لا تسهل ولا تشجع العودة إلى سوريا".
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أكد الشهر الماضي عدم إمكانية إجبار اللاجئين على العودة "إذا كانت حياتهم أو حريتهم معرضة للخطر".
ويصر الأردن على حل الأزمة السورية عبر حل سياسي يضمن وحدة سوريا وتماسكها ويعيد لها أمنها وعافيتها ويتيح أيضا ظروف العودة الطوعية للاجئين إلى بلادهم وفق الصفدي.
وتحدث جلالة الملك عبدالله الثاني الشهر الحالي عن "تبعات كثيرة وكارثية للأزمة السورية، وحلها يكون بالتوصل لحل سياسي شامل يعالج كل تبعاتها، ينهي معاناة الشعب السوري الشقيق، ويوفر ظروف العودة الطوعية للاجئين، ويعيد لسوريا الأمن والاستقرار. هذا ما عملنا من أجله، وهذا ما سنبقى نعمل من أجله".
استمرار مرهون بتوافر الدعم
يرى الفايز أن استمرار المخيم مرهون بتوافر الدعم الكلي المقدم من المانحين، وقال إن "استمرارية المخيّم لتلبية احتياجات سكانه وتوافر الخدمات الأساسية تعتمد كلياً على الدعم المقدم من المانحين"، وعبّر عن امتنان المفوضية الدائم "لتمويل الدول والجهات المانحة عبر السنوات التي مكّنت اللاجئين من العيش الكريم".
الأردن حذر بشكل متكرر من تداعيات تراجع الدعم الدولي للاجئين، ففي آذار/ مارس الماضي، رأى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، أن تلبية احتياجات اللاجئين وتوفير العيش الكريم لهم مسؤولية دولية جماعية وليست مسؤولية الدول المستضيفة وحدها.
وبلغ حجم تمويل خطة استجابة الأردن للأزمة السورية 226 مليون دولار، من أصل 2.28 مليار دولار، وبنسبة وصلت إلى 9.9%، حتى حزيران/ يونيو الماضي، وفق وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
وفي عام 2021، بلغ حجم تمويل خطة استجابة الأردن للأزمة السورية 744.4 مليون دولار، من أصل 2.43 مليار دولار، وبنسبة وصلت إلى 30.6%، وبعجز بلغ 1.687 مليار دولار من حجم موازنة سنوية مخصصة لدعم لاجئين سوريين في الأردن.
وحذر الصفدي من التداعيات الإنسانية والاجتماعية والأمنية لتراجع الدعم الدولي للاجئين، وشدد على ضرورة استمرار دعم اللاجئين والدول المستضيفة لهم.
وحذر الصفدي أيضا من خطر مستقبلي إقليمي ودولي في حال التخلي عن اللاجئين وتركهم ضحية للعوز واليأس، وحذر كذلك من تبعات ظهور أزمة اللاجئين الأوكرانيين وحيازتها للاهتمام الدولي.
ويحتضن الأردن ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنةً مع عدد المواطنين بعد لبنان، ويعيش في الأردن أكثر من 3.788 ملايين لاجئ يحملون أكثر من 53 جنسية، غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين.
المملكة