أمرت روسيا السبت قوّاتها بالتقدّم "من الاتجاهات كافة" في أوكرانيا بينما فرضت كييف حظرا شاملا للتجوّل وأعلن مسؤولون مقتل 198 مدنيا في الغزو الروسي.
واختبأ سكان كييف حيث دوّت أصوات الانفجارات بينما أعلن الجيش الأوكراني أنه صدّ هجوما على العاصمة حيث يقاتل "مجموعات تخريبية" روسية تسللت إلى المدينة.
وأعلنت موسكو أنها أطلقت صواريخ كروز على أهداف عسكرية وأنها "ستوسّع الهجوم من الاتجاهات كافة" بعدما اتّهمت أوكرانيا بـ"رفض" المحادثات.
لكن في اليوم الثالث من الغزو الروسي، تعهّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن بلده الموالي للغرب لن يستسلم أمام الكرملين.
وتحدّث زيلينسكي في تسجيل مصوّر مرتديا زيا عسكريا وبدا مرهقا ولكن مصمّما.
وقال الرئيس البالغ 44 عاما "أنا هنا. لن نتخلى عن سلاحنا. سندافع عن دولتنا لأن أسلحتنا هي الحقيقة".
وأضاف "الحقيقة بالنسبة إلينا هي أن هذه أرضنا وبلدنا وأبناؤنا وسندافع عن ذلك كلّه".
وفي وقت لاحق، لفت إلى أن أوكرانيا أخرجت خطة روسية للإطاحة به "عن مسارها" وحضّ الروس على الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف الحرب.
وأطلق بوتين غزوا واسع النطاق قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنه أجبر حوالي 116 ألف شخص على الفرار إلى دول مجاورة.
ويقدّر أن عشرات الآلاف غيرهم نزحوا ضمن أوكرانيا، حيث انتقل كثيرون إلى المناطق الأقل تأثّرا غرب البلاد.
"الدعم مطلوب بشدة"
وأعلن وزير الصحة الأوكراني فكتور لياشكو مقتل 198 مدنيا، بينهم ثلاثة أطفال، في النزاع وإصابة 1115 بجروح.
وفي كييف، اختبأ السكان في محطات المترو والأقبية والسراديب.
وقالت إيرينا بوتياك لفرانس برس في أحد الملاجئ "توقعنا إمكانية حدوث أمر كهذا، لكن كنا نأمل حتى آخر لحظة ألا يتم".
وقالت المدرّسة البالغة 38 عاما "كنّا نتأمّل بأن يسود المنطق والأخلاق. لم يحصل ذلك أيضا".
ووصل آلاف اللاجئين إلى مدينة برزيميسل البولندية الحدودية بالقطارات.
وقالت لاجئة عرّفت عن نفسها باسم آنا لفرانس برس "لا نريد أن نهرب من دولة لأخرى ونطلب الدعم، لكن الدعم مطلوب بشدة هذه المرة".
معدات عسكرية بـ350 مليون دولار
في باريس، حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن على العالم أن يستعد لحرب طويلة.
وقال "ستطول هذه الأزمة، ستطول هذه الحرب وستكون لجميع الأزمات التي ترافقها عواقب طويلة الأمد".
وأضاف "علينا أن نكون مستعدين".
وبعد مكالمة هاتفية مع ماكرون، شكر زيلينسكي "الشركاء" لإرسالهم الأسلحة والمعدات.
وأرسل عدد من أعضاء حلف شمال الأطلسي أسلحة وذخيرة إلى أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة والدول الشيوعية سابقا في شرق أوروبا.
وفي آخر مساهمة من واشنطن، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تقديم معدات عسكرية إضافية بقيمة 350 مليون دولار (310 ملايين يورو).
كما أجازت الحكومة الألمانية تسليم أوكرانيا 400 قاذفة صواريخ مضادة للدبابات، وفق ما أفاد المصدر الحكومي فرانس برس السبت.
بدوره، أكد حلف شمال الأطلسي أنه سينشر قوّته للرد السريع المكوّنة من 40 ألف جندي في شرق أوروبا لأوّل مرّة في تاريخه، لكنه شدد على أنه لن يرسل أي قوات إلى أوكرانيا، غير المنضوية في الحلف.
صفارات إنذار
وفي الساعات الأولى من فجر السبت، سمع مراسلو فرانس برس في كييف أصوات انفجارات متقطّعة لما قال الجنود إنها مدفعية وصواريخ "غراد" أطلقت في منطقة شمال غرب مركز المدينة.
كما سُمعت أصوات انفجارات قوية وسط العاصمة.
وأفادت أجهزة الطوارئ أن مجمّعا يضم مباني سكنية عالية تعرّض للقصف خلال الليل، ونشرت صورة تظهر فجوة بحجم خمسة طوابق في جانب المبنى.
وذكر رئيس بلدية كييف فيتلاي كليتشكو أن المبنى تعرّض لضربة صاروخية.
وقال كليتشكو إن "العدو يحاول اقتحام المدينة، خصوصا من غوستوميل في جيتومير حيث تم تحييد المعتدين"، في إشارة إلى منطقتين شمال غرب وغرب المدينة.
وقال "الآن للأسف، يوجد مجموعات تخريبية في كييف، ووقعت عدة اشتباكات".
وبعد ساعات، شاهد مراسلو فرانس برس شاحنة عسكرية أوكرانية مدمرة في مركز المدينة ومتطوعا مدنيا يحفر خندقا للجنود.
وشوهدت دبابات للجيش الأوكراني تجول في معظم أجزاء المدينة حيث خلت الشوارع من المارّة وخيّم الصمت الذي خرقته صفارات الإنذار.
وأعلنت سلطات المدينة أنها ستشدد حظر التجوّل المفروض وسيتم اعتبار أي شخص يشاهد في الشوارع بعد الساعة 17:00 (15:00 ت غ) "من أعضاء مجموعات العدو التخريبية والتجسسية".
وسيتواصل حظر التجوّل حتى الساعة الثامنة من صباح الاثنين.
وفي مناطق أخرى من أوكرانيا، شاهد مراسلو فرانس برس آثار ضربة جوية تعرّضت لها قاعدة عسكرية قرب قرية روزسيشكي وسط البلاد، بما في ذلك شاحنتان مدمّرتان.
وعند مدخل عدد من القرى والبلدات في الطريق إلى لفيف، شوهد رجال بملابس مدنية أقاموا حواجز إسمنتية.
"أنانية راسخة"
ولدى إعلانه بدء الهجوم الخميس، أكد بوتين أن هدف العملية الدفاع عن الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا.
ويقاتل المتمرّدون القوات الحكومية الأوكرانية منذ ثماني سنوات في نزاع أسفر عن مقتل أكثر من 14 ألف شخص.
ووصف بوتين النزاع الحالي بأنه "عملية عسكرية خاصة" وأمرت الهيئة الروسية المنظِّمة للاتصالات السبت وسائل الإعلام المستقلة حذف التقارير التي تصف العملية بأنها "هجوم أو غزو أو إعلان حرب".
واتّهمت الهيئة في بيان وسائل الإعلام بنشر "معلومات لا صحة لها" عن قصف الجيش الروسي مدنا أوكرانية وسقوط قتلى مدنيين.
وقللت روسيا بدورها من أهمية التنديدات الدولية والعقوبات المشددة التي فرضتها كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بما في ذلك ضد بوتين نفسه ووزير خارجيته سيرغي لافروف.
واعتبرت موسكو أن فرض عقوبات عليهما "يعكس مدى العجز التام للسياسة الخارجية" للغرب.
وطالب زيلينسكي الغرب بالذهاب أبعد من ذلك عبر طرد موسكو من نظام "سويفت" للتحويلات المصرفية، في خطوة من شأنها أن تضرب التجارة بين روسيا ومعظم دول العالم.
لكن عددا من دول الاتحاد الأوروبي، بينها ألمانيا والمجر، مترددة حيال الأمر خوفا من قطع روسيا إمدادات الغاز.
"قدمت لأهز الضمائر"
وندد رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيسكي بدول من بينها ألمانيا، التي لطالما انتقدتها وارسو لعلاقاتها الاقتصادية مع روسيا.
وقال مورافيسكي للصحفيين قبل لقائه المستشار الألماني أولاف شولتس "ليس الآن وقت إظهار أنانية راسخة نلاحظها في بعض الدول الغربية، بما في ذلك هنا في ألمانيا، مع الأسف".
وأضاف "لهذا السبب قدمت إلى هنا، لمقابلة المستشار (الألماني) أولاف شولتس، لأهزّ الضمائر، لأهز ضمير ألمانيا، حتى يقرروا (الألمان) أخيرا فرض عقوبات ساحقة حقّا" على روسيا.
ولاحقا، أبدت برلين استعدادها للموافقة على فرض "قيود محددة" على روسيا على صعيد استخدام منصة سويفت للتبادلات المالية بين المصارف، وذلك ردا على غزوها لأوكرانيا، مع تأكيدها السعي إلى "الحد من الأضرار الجانبية" لإجراء عقابي مماثل.
كذلك، أجازت الحكومة الألمانية تسليم أوكرانيا 400 قاذفة صواريخ مضادة للدبابات، الأمر الذي يشكل تراجعا عن سياسة اتبعتها في الأعوام الأخيرة وتقضي بحظر أي تصدير لأسلحة فتاكة في مناطق نزاعات، وفق ما أفاد مصدر حكومي لفرانس برس السبت.
أ ف ب