يمتلك الأردن، إمكانات واسعة لتعزيز نمو اقتصاده وتوفير فرص عمل لائقة من خلال التوسع في الاعتماد على الموارد الخضراء، بحسب تقرير أعده مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية.
وأشار التقرير، الذي صدر بعنوان "الاقتصاد الأخضر: فرص كبيرة لتعزيز التنمية"، إلى أنّ الأردن ورغم أنه كان رائداً في إصدار تشريعات التحول إلى الاقتصاد الأخضر، إلّا أنّه تأخر عن بعض الدول المجاورة في تطبيقها.
التقرير، نشر بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ العالمي في غلاسكو بأسكتلندا التي تبحث سبل التقليل من الانبعاثات بحلول عام 2030 والمساعدة في تحسين الحياة على الأرض، وبخاصة مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري.
وأوصى التقرير بالاستثمار في مشاريع تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة مثل مشروع ناقل مياه البحر الأحمر، وابتكار سبل لترشيد استهلاك المياه والتوسع في سدود الحصاد المائي وإدخال التقنيات البيئية الحديثة في مشاريع المياه الجوفية، التي ستوفر فرصاً عديدة للشباب في المجتمعات المحلية.
وأوصى التقرير كذلك بتشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، وجذب رياديي الأعمال للعمل في مشاريع بيئية من خلال تفعيل صندوق الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة.
وشدد على ضرورة تشغيل الحاصلين على شهادات متخصصة كهندسة الطرق في مشاريع النقل المستحدثة مثل مشروع النقل الحضري، إضافة إلى توفير مركبات نقل عام صديقة للبيئة تعمل بالكهرباء بدلاً من الوقود التقليدي (الأحفوري) من خلال تخفيض أو الغاء الضرائب والرسوم الجمركية عليها ودعمها.
ودعا التقرير إلى دعم المنتجين الزراعيين من ذوي في المزارع الصغيرة والمتوسطة وتحفيزهم على استخدام تقنيات بيئية تزيد الإنتاج وتخفض الكلف في سبيل فتح الباب لفرص عمل أكثر من الفئات الحاصلة على شهادات علمية كالهندسات الزراعية.
ويعرّف الاقتصاد الأخضر بأنه "اقتصاد مستدام يحافظ على البيئة وعناصرها المختلفة ويضمن العدالة الاجتماعية ويحد من الفقر والبطالة، ويقلل من المخاطر البيئية وندرة المواد الطبيعية بصورة ملحوظة"، بحسب التقرير.
وبين التقرير أنّ الأردن لا يرصد نفقات خاصة لمشاريع المناخ والاقتصاد الأخضر في الموازنات العامة السنوية، بل تعتمد مخصصاتها على المنح الخارجية فقط، ما يعني أنّ المشاريع لا تحظى باهتمام حقيقي من قبل الحكومات المتعاقبة، وتفتقر للاستدامة، رغم توقعات منظمة العمل الدولية بتوفير 24 مليون فرصة عمل في العالم مع التحولات إلى هذا النوع من الاقتصاد بحلول عام 2030.
وأشار التقرير إلى أنّ قطاعات المياه والسياحة والزراعة والصناعة والطاقة وإدارة النفايات تمتلك فرصا كبيرة لتوليد وظائف لائقة ومستدامة ومباشرة حال اعتمدت على مصادر الطاقة البديلة والمتجددة وتقنيات التدوير.
وينتج عن المشاريع الخضراء التي تعتمد مصادر بديلة ومدورة تخفيض كبير في النفقات المختلفة كالطاقة والمياه وإعادة تدوير النفايات، التي وإن احتاجت لمخصصات مرتفعة في البداية، الّا أنّها ستخفض بشكل ملموس النفقات التشغيلية الدورية، ما يخفض كلف الإنتاج المختلفة.
ويعتبر قطاع المياه أحد أبرز القطاعات القادرة على استحداث وظائف وفرص عمل مستدامة، من خلال مشاريع تنقية المياه العادمة، وتحلية مياه البحر الأحمر ومعالجة المياه الجوفية، وبخاصة إذا ما تم الاعتماد على تقنيات وطاقة متجددة كالرياح والطاقة الشمسية لضمان الحصول على مشاريع بتكاليف أقل وجدوى اقتصادية عالية ومجزية، بحسب التقرير.
وقال التقرير إنه في الوقت الذي يستهلك قطاع المياه نحو 15% من الطاقة الكهربائية الإجمالية بالأردن، فإن خفض تكلفة تشغيل القطاع بواسطة استخدام مصادر الطاقة البديلة من شأنها تحقيق نمو اقتصادي يقدّر بأكثر من 250 مليون دولار بحلول عام 2025، ما ينعكس إيجابا على استحداث فرص عمل "خضراء" في قطاع المياه.
وعلى صعيد قطاع الطاقة، لدى الأردن عدد من شركات الطاقة المتجددة ضمن مؤسسات قطاع الكهرباء، كما تعمل في قطاع التكنولوجيا النظيفة، وتوفر شركات التكنولوجيا النظيفة ما يزيد على 12 ألف فرصة عمل، منها 5400 تقريبا في قطاع الطاقة المتجددة.
وأشارت دراسات إلى أن الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة يوفر فرص عمل أكثر بضعفين إلى خمسة أضعاف تلك الموجودة في مجالات الطاقة الأحفورية أو التقليدية، وبخاصة لخريجي تخصصات هندسة الميكاترونيكس والطاقة المتجددة وغيرها من التخصصات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، حيث ستعود الاستفادة غير المباشرة من المشاريع الخضراء بتوفير 8 آلاف وظيفة لمهندسين ومهندسات لمدة خمس سنوات ونحو 10 آلاف وظيفة فنية مساعدة أخرى.
وفي قطاع الزراعة المائية (الهيدروبونيك) التي دخلت الأردن حديثاً، وشكلت نقطة تحوّل مهمة في تحقيق الأمن المائي والغذائي، وداعما أساسيا للاقتصادات المحلية، وبخاصة في ظل تحديات التغير المناخي والموارد الطبيعية.
وتمتاز "الزراعة المائية" بالكفاءة في ترشيد استخدام المياه في الري، لقلة الفقد بالبخار أو الصرف في التربة من تدوير استخدام المياه، ما يرفع كفاءتها إلى أقصى حد، إذ توفر بين 70-90% من المياه المستخدمة مقارنة بالزراعة التقليدية.
وبحسب التقرير، فإنّ ذلك لم يجعلها رائجة حتى الآن؛ لارتفاع الكلف التشغيلية وغياب البرامج الحكومية المشجعة، إذ لا بدّ من استغلالها لتدريب المزارعين العاملين في القطاع والشباب العاطلين عن العمل من الدارسين للتخصصات ذات العلاقة مثل الهندسة الزراعية وعلوم المياه والبيئة على تقنيات زراعية جديدة.
وعلى صعيد قطاع إدارة النفايات، يتخلص الأردن مما يعادل 2.7 مليون طن من النفايات الصلبة البلدية، وما يعادل 2745 طنا من النفايات الطبية، و45 ألف طن من النفايات الصناعية الخطرة موزعة على 20 مكب في المملكة بطريقة الطمر التي توفر 6 فرص عمل فقط لكل ألف طن، في حين تخلق إعادة التدوير 36 فرصة أخرى لذات الكمية.
غير أنّ التقديرات العالمية تتوقع توفير 100 ألف فرصة عمل مباشرة من تدوير النفايات مع تحقيقه لوفر يقدر بتريليون دولار بحلول عام 2025، علماً بأن الأردن يدوّر 10% فقط من نفاياته.
ويشكل قطاع السياحة مكوناً مهماً في الاقتصاد الوطني الأردني ويساهم بشكل كبير في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي إلّا أنّ نسبة التشغيل فيه منخفضة، حيث تُراوح حول 10% وهي بعيدة عن نسبة التشغيل العالمية المقدرة بين 15-18% من إجمالي المشتغلين، حيث بات من الضروري التركيز على السياحة الطبيعية والبيئية في الوقت الذي يبحث فيه 20% من السياح في العالم على رحلات تهتم بالحفاظ على البيئة والطبيعة.
ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال بناء نُزلات بيئية تعتمد على الطاقة المتجددة في القرى المنتشرة في مناطق قريبة من المناطق السياحية تجلب السياح إليها وتوفر فرصة لأبناء هذه المناطق بالتوسع في المشاريع المبنية على فكرة الاقتصاد الأخضر.
المملكة