حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أنّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دخل أحد أحلك مراحله، مؤكداً أن الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على غزة فاقم الكارثة الإنسانية، وحوّل المجاعة إلى "حقيقة واقعة"، فيما لا يزال آلاف المدنيين والمحتجزين محاصرين تحت القصف المستمر محرومين من الغذاء والماء والكهرباء والدواء.

غوتيريش، في إحاطة لمجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، جدّد دعوته إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود.

وأكد أن تجاهل قرارات الأمم المتحدة وانتهاك القانون الدولي الإنساني يهددان مصداقية المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن العنف امتد إلى الضفة الغربية ومناطق أخرى في المنطقة، محذراً من تداعيات الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي انتهك سيادة قطر وأضر بالجهود الدبلوماسية بقيادة قطر ومصر والولايات المتحدة.

وشدد الأمين العام على أن إمكانية تحقيق حل الدولتين آخذة في "التلاشي الخطير"، بفعل استمرار الاستيطان والضم بحكم الأمر الواقع والتهجير القسري.

وأعرب عن قلق خاص إزاء موافقة إسرائيل على بناء مستوطنات في منطقة E1، معتبراً ذلك خطوة تهدد وحدة الأراضي الفلسطينية وتقضي على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً. وأضاف أن الاستيطان ليس قضية سياسية فحسب، بل يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.

وتطرق غوتيريش إلى "الأزمة الوجودية" التي تواجه السلطة الفلسطينية نتيجة الضغوط المالية والسياسية وامتناع إسرائيل عن تحويل أموال المقاصة، إلى جانب انخفاض المساعدات الدولية، ما أدى إلى عجزها عن دفع الرواتب وتقديم الخدمات الأساسية.

ودعا إلى تقديم دعم دولي عاجل، سياسياً ومالياً، للحفاظ على استقرار السلطة الفلسطينية وضمان استمرارها كشريك في جهود السلام.

رغم هذا المشهد القاتم، أشار الأمين العام إلى بصيص أمل تمثل في استئناف المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول تنفيذ حل الدولتين، مثنياً على دور فرنسا والسعودية في تحفيز الزخم السياسي، ومرحباً باعتراف دول عدة بالدولة الفلسطينية، بينها فرنسا والمملكة المتحدة.

ورأى أن هذا الاعتراف يمثل "السبيل الأوضح" نحو تجسيد حل الدولتين على أساس حدود ما قبل عام 1967، مع القدس عاصمة مشتركة.

واختتم غوتيريش كلمته بالتأكيد أن السلام العادل والدائم لن يتحقق بالمزيد من العنف، بل بالالتزام بالقانون الدولي والعمل الدبلوماسي وتحقيق الكرامة للجميع.

وطالب مجلس الأمن بتحمّل مسؤولياته واتخاذ الإجراءات اللازمة، محذراً من أن "الفرصة الدقيقة" المتاحة قد تنفلت من أيدي المجتمع الدولي إذا لم يتم التحرك العاجل.

وتاليا كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش

السيد الرئيس (جمهورية كوريا)،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
إننا نواجه اليوم أحد أحلك فصول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
فبعد انصرام ما يقرب من عامين على الهجمات الإرهابية المروعة التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر وعلى الهجوم العسكري المدمر الذي شنته إسرائيل في إثرها، لم يزدد العنف إلا تفاقماً في أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة قاطبة بما ينطوي عليه ذلك من أخطار جسيمة تتهدد السلام والأمن في المنطقة والعالم.
فالهجوم العسكري الإسرائيلي الكاسح على مدينة غزة يضاعف من حدة الأزمة الإنسانية الكارثية أصلاً.
وثمة عدد لا يُحصى من المدنيين الفلسطينيين والرهائن المتبقين المحاصرين تحت عمليات القصف التي لا تتوقف والمحرومين من الغذاء والماء والكهرباء والدواء.
لقد أصبحت المجاعة حقيقة واقعة - حيث يُكره السكان على النزوح باستمرار ويُجوَّعون.
إننا حتى لو وصفنا هذا الوضع بكونه وضعا غير مقبول ولا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا أو سياسيا لن نعبر تعبيرا وافيا يحيط بهول المعاناة الإنسانية.
لقد وَجهتُ مرارا وتكرارا نداءات من أجل الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار؛ والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن؛ وإفساح المجال أمام إيصال المساعدات الإنسانية فورا، بلا شروط ولا عراقيل.
إن تجاهل قرارات الأمم المتحدة يستمر، وأحكام القانون الدولي الإنساني تُنتهك، والإفلات من العقاب يسود. ومصداقيتنا الجماعية تتلاشى.
وتمتد أعمال العنف من غزة لتنتشر في الضفة الغربية المحتلة وخارجها، بما في ذلك في عدة بلدان في المنطقة وفي دولة قطر في العهد القريب.
وقد تعرضت الجهود المبذولة لتأمين التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن - بقيادة قطر ومصر والولايات المتحدة - لضربة قوية في 9 أيلول/سبتمبر.
ذلك أن الهجوم الإسرائيلي لم ينتهك سيادة قطر وسلامة أراضيها وحسب، وإنما هدد أيضا المعايير والآليات التي نعتمد عليها في العمل الدبلوماسي وتسوية النزاعات.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
إن إمكانية تحقيق حل الدولتين آخذة في التلاشي باطراد وقد بلغتْ الآن أدنى مستوياتها منذ عقود.
ومن مظاهر ذلك استمرار توسع المستوطنات، وضم الأراضي بحكم الواقع، والتهجير القسري.
وأدت دوامات العنف القاتل - بما في ذلك على أيدي المستوطنين المتطرفين - إلى ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي ودفعتنا بشكل خطير إلى نقطة اللاعودة.
ومما يثير القلق بشكل خاص في هذا الصدد أن إسرائيل قد وافقت في الفترة الأخيرة على بناء المستوطنات في المنطقة E1.
وإذا ما نُفّذ ذلك، فإنه سيؤدي إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية المحتلة فيقضي على وحدة الأرض التي تقوم عليها الدولة الفلسطينية.
إن بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة ليس قضية سياسية وحسب، وإنما هو انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وفي الوقت نفسه، تواجه السلطة الفلسطينية أزمة وجودية.
فالضغوط المالية والسياسية والمؤسسية تقوض قدرتها على أداء وظائفها.
وقد أدى امتناع إسرائيل عن تحويل إيرادات المقاصة، وخنق الاقتصاد الفلسطيني، والانخفاض الحاد في مساعدات المانحين إلى عجز السلطة الفلسطينية عن دفع الرواتب أو تقديم الخدمات الأساسية.
ويتعين تقديم دعم دولي عاجل - مالي وسياسي - لتثبيت استقرار السلطة الفلسطينية والحفاظ على قدرتها على البقاء كشريك في جهود السلام.
على أنه في حُلكة هذا الظلام الدامس قد برز أمسِ بصيص من الأمل بمناسبة استئناف المؤتمر الدولي رفيع المستوى بشأن تنفيذ حل الدولتين.
وأثني على فرنسا والمملكة العربية السعودية لاشتراكهما في رئاسة هذا الاجتماع المهم وإسهامهما في تحفيز الزخم السياسي.
وأرحب باعتراف العديد من البلدان الأخرى بالدولة الفلسطينية، ومنها الدولتان دائمتا العضوية في المجلس، فرنسا والمملكة المتحدة.
فهذا هو السبيل الأوضح صوب تحقيق حل الدولتين حلاًّ تقوم فيه بجوار إسرائيل دولةُ فلسطين المستقلة متمتعةً بالسيادة والديمقراطية ومقومات البقاء ووحدة الأرض، وتعيش بمقتضاه الدولتان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، على خطوط ما قبل عام 1967، وتكون مدينة القدس عاصمة لهما بكلتيهما، استنادا إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
ويجب علينا أن نغتنم الفرصة التي يتيحها هذا الزخم.
ويجب أن تكون الإجراءات التي يُطلق عليها ”اليوم التالي“ في غزة متجذرة في القانون الدولي، بحيث يُرفض في إطارها أي شكل من أشكال التطهير العرقي وتضع أفقا سياسيا واضحا صوب تحقيق حل الدولتين على نحو يضمن صلابته.
وكما قلت أمام الجمعية العامة صباح هذا اليوم، يجب علينا أن نعكس مسار الأحداث الخطيرة الحاصلة على أرض الواقع وأن نعجل بذلك.
فيجب وضع حد لأعمال التوسع الاستيطاني والعنف التي لا هوادة فيها، وكذلك لخطر الضم الذي يلوح في الأفق.
ويجب الاستجابة لدعوات محكمة العدل الدولية - بما في ذلك دعوة إسرائيل إلى الوقف الفوري للأنشطة الاستيطانية وإنهاء وجودها غير الشرعي في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ويجب إنهاء الاحتلال غير القانوني.
ويجب علينا أن ندعم المؤسسات الفلسطينية - سياسيا وماليا - لتنفيذ الإصلاحات الأساسية وضمان الاستقرار المالي.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
إن إحلال السلام العادل والدائم لن يتحقق أبدا بواسطة المزيد من العنف.
بل يقتضي التزاما جماعيا بالعمل الدبلوماسي وبالقانون الدولي وبتحقيق الكرامة للناس قاطبة.
ويجب على مجلس الأمن أن يتخذ ما يتعين من إجراءات.
ويجب على كل عضو من أعضاء مجلس الأمن أن يوفي بالمسؤوليات الواقعة على كاهله.
ولا ينبغي أن نترك هذه الفرصة الدقيقة تنفلت من بين أيدينا.
وشكراً لكم.

المملكة