عقد المنتدى الاقتصادي الأردني، جلسة نقاشية حول العلاقات الأردنية البريطانية، وذلك بحضور السفير البريطاني في الأردن، فيليب ريدلي هول، ورئيس المنتدى مازن الحمود، وعدد من أعضاء مجلس الإدارة والهيئة العامة في المنتدى.

وأكد رئيس المنتدى، مازن الحمود، أن العلاقات بين الأردن والمملكة المتحدة تمتد عقودا طويلة، وتتميز بعمقها التاريخي وتعاونها الوثيق في مختلف المجالات.

وأشار إلى أن هذا الارتباط القوي يشمل العلاقات بين العائلتين الملكيتين وخاصة بين صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والملك تشارلز الثالث اللذان التقيا مرتين خلال الأشهر الأخيرة، ، وكذلك التنسيق المستمر بين الحكومتين في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية.

وأشار الحمود إلى أن خلفية السفير البريطاني الدبلوماسية، وخاصة منصبه السابق كقنصل بريطاني في القدس، منحته فهمًا عميقًا لدور المملكة المتحدة في قضايا المنطقة، وخصوصًا القضية الفلسطينية.

وقال: "عند النظر إلى هذا المنصب تاريخيًا، نجد أنه كان دائمًا مرجعًا رئيسيًا للسياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما يؤكد أهمية الدور البريطاني في المنطقة عبر العقود."

وفي حديثه عن العلاقة الاقتصادية بين البلدين، أوضح الحمود أن بريطانيا كانت ولا تزال داعمًا قويًا للأردن، مشيرًا إلى أن التعاون الاقتصادي ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لعقود من العمل المشترك الذي يهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المملكة.

واستشهد الحمود بمثال على هذا الدعم، وهو مؤتمر لندن الذي عقد عام 2016 لدعم سوريا، والذي حضره جلالة الملك عبد الله الثاني. وأوضح أن المؤتمر أفضى إلى ما يُعرف بـ"الميثاق الأردني"، الذي شكل نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بين الأردن والعالم بشكل عام والاتحاد الأوروبي بشكل خاص، حيث تمت مراجعة قواعد المنشأ للمنتجات الأردنية المصدرة الى اوروبا، مما سهل تصديرها إلى الأسواق الأوروبية.

وأشار الحمود إلى أن الاهتمام البريطاني بدعم الأردن اقتصاديًا ينبع من إدراك عميق بأن متانة الاقتصاد الأردني هو عنصر أساسي في استقرار المنطقة بشكل عام.

وأكد أن الأردن وبريطانيا يشتركان في رؤية مشتركة تقوم على ضرورة تحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تعزيز الاستثمارات ودعم القطاع الخاص.

وأكد الحمود أن المنتدى يسعى لتعزيز الحوار مع الشركاء الدوليين، ومن بينهم بريطانيا، بهدف دفع عجلة التعاون الاقتصادي إلى مستويات جديدة.

وقال: "الدبلوماسية الاقتصادية تلعب دورًا رئيسيًا في رسم ملامح المستقبل الاقتصادي للأردن، ونحن نؤمن أن الحوار البناء مع شركائنا البريطانيين سيمكننا من استكشاف فرص جديدة للتعاون والاستثمار."

وبدوره، أكد السفير البريطاني في الأردن أن العلاقة بين المملكة المتحدة والأردن تمتد لعقود طويلة، وتتميز بعمقها وقوتها، مشيرًا إلى أن هذه العلاقة ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى بدايات تأسيس الدولة الأردنية.

وأكد أن الأردن يحتل مكانة خاصة جدًا لدى بريطانيا، وهذه الأهمية ربما ازدادت في السنوات الأخيرة، خاصة مع التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط والدور الرئيسي الذي يلعبه الاردن

وشدد على دعم المملكة المتحدة للأردن بشكل كبير، مدركين تمامًا – على حد وصفه- التحديات التي يواجهها الأردن، موكدا أن الأردن يتمتع بوضع فريد مقارنة بدول في المنطقة، لاسيما ان هذا الاستقرار لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج عمل دؤوب من قبل القيادة الحكيمة والحكومة الأردنية والمجتمع ككل."

وشدد السفير على أن الأردن يحرز تقدمًا في الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وهو أمر مهم لضمان استمرار الاستقرار على المدى الطويل.

وفيما يخص العلاقات الاقتصادية بين البلدين، أكد السفير البريطاني أن حجم التبادل التجاري بين المملكة المتحدة والأردن في عام 2023 سجل أعلى مستوى له منذ أكثر من عشر سنوات، وربما يكون الأعلى على الإطلاق من حيث القيمة، مشيرًا إلى أن هذا النمو يأتي على الرغم من التحديات التي تواجه التجارة العالمية.

ونوه إلى ان هذه الحجم يتم استخدامه من منظورين، فمن جهة، يمكن اعتباره إنجازًا مهمًا يعكس متانة العلاقات الاقتصادية بين بلدينا، ومن جهة أخرى، ما زالت هناك فرص غير مستغلة لزيادة حجم التبادل التجاري أكثر، خاصة في ظل إمكانيات الأردن الواعدة.

وأعلن السفير أن هناك جهودًا حثيثة تُبذل لتأسيس مجلس أعمال أردني-بريطاني، معربًا عن التطلع للإعلان عنه رسميًا خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وفيما يتعلق بالخدمات، أوضح السفير أن بريطانيا تستحوذ على ما يقارب 10% من واردات الأردن في هذا القطاع، بينما تشكل السلع نسبة أقل تتراوح بين 2% و3% من إجمالي الواردات.

وأضاف أن قطاع الخدمات هو المجال الأكثر نموًا، مشيرًا إلى أن الأردن لديه إمكانيات كبيرة في هذا القطاع، خصوصًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية.

وقال السفير البريطاني: أن الأردن يمتلك فرصًا كبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، حيث يضم سوقًا قويًا يعتمد على كوادر مؤهلة تتحدث العربية بطلاقة، وهو ما يمنحه ميزة تنافسية في تقديم الخدمات للأسواق الإقليمية الناطقة بالعربية.

كما تحدث السفير عن قطاع الصناعات الدوائية، مشيرًا إلى أن شركة "حكمة" الأردنية تعد واحدة من أكبر الشركات المسجلة في بريطانيا، حيث تُصنّف ضمن مؤشر "فوتسي 100" لأكبر مئة شركة في بورصة لندن.

كما أشار إلى أن الأردن ينتج مواد خام مهمة كالفوسفات والبوتاس، لكن طبيعة الأسواق تحدد وجهة هذه المنتجات، حيث تعتبر الهند وتركيا والصين من أكبر المستهلكين لهذه المواد، بينما لا تُعد بريطانيا مستهلكًا رئيسيًا لها بسبب طبيعة اقتصادها غير الزراعي.

وتطرق السفير البريطاني إلى اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين، موضحًا أنه رغم توقيع الاتفاقية، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه تنفيذها على أرض الواقع.

وأضاف أن اتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا والأردن جاءت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي مماثلة إلى حد كبير للاتفاقية التي كانت تربط الأردن بالاتحاد الأوروبي، من حيث شروط التبادل التجاري والإعفاءات الجمركية.

وأوضح السفير أن بعض المشكلات التي ظهرت تتعلق بالبيروقراطية والإجراءات الورقية الإضافية التي أصبح على الشركات التعامل معها بعد "البريكست"، خاصة فيما يتعلق باستيراد المواد الخام من الاتحاد الأوروبي، حيث قال: "التغييرات لم تؤثر على جوهر الاتفاقيات التجارية، لكنها أضافت مستوى من التعقيد الإداري، مما تسبب في بعض التباطؤ."

ودعا السفير رجال الأعمال الأردنيين إلى تقديم بيانات دقيقة حول التحديات التي يواجهونها في تنفيذ الاتفاقية.

وفي ذات السياق، شدد السفير على التزام بلاده بتعزيز العلاقات مع الأردن، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن متانة الاقتصاد الأردني هو عامل حيوي في المنطقة، ويعتمد على تعزيز التنمية الاقتصادية والمشاركة السياسية.

وأضاف: "بريطانيا تقدر الأردن كحليف وشريك استراتيجي في المنطقة، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحكومة الأردنية والقطاع الخاص لتعزيز الفرص التجارية والاستثمارية التي تفيد البلدين."

وعلى صعيد متصل، أكد السفير البريطاني أن التعاون بين المملكة المتحدة والأردن يمتد إلى العديد من المجالات، وعلى رأسها التعاون العسكري والأمني، حيث أوضح أن هناك نوعين رئيسيين من الدعم البريطاني للأردن: الدعم العملي المباشر من خلال العمل المشترك، والدعم المالي عبر المساعدات التنموية.

وأشار السفير إلى أن أكثر من 80% من إجمالي المساعدات البريطانية المقدمة للأردن تذهب لدعم القطاعات الإنسانية وحماية اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، مشيرًا إلى أن بلاده تسعى لدعم الأردن في توفير الحماية والاحتياجات الأساسية للاجئين، بالإضافة إلى مساندة المجتمعات المحلية التي تستضيفهم.

وفيما يخص الدعم السياسي، أكد السفير أن بريطانيا تعمل على دعم عملية التحديث السياسي في الأردن، مشيدًا بالأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك عبد الله الثاني، والتي أطلقت مسار الإصلاح السياسي

أما على الصعيد الاقتصادي، فأوضح السفير أن هناك برنامجًا اقتصاديًا بريطانيًا لدعم الأردن، يهدف إلى تعزيز الصادرات للشركات الصغيرة والمتوسطة، مشيرًا إلى أن حجم هذا البرنامج كان صغيرًا في العام الحالي بسبب انتهاء المرحلة الأولى منه، ولكن سيتم العمل على برنامج جديد قريبًا.

ولفت إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لأنها تشكل العمود الفقري للاقتصاد الأردني، متطلعا لمساعدتها في الوصول إلى الأسواق العالمية، خاصة في بريطانيا.

وأشار إلى أن بريطانيا تخصص نحو 12 مليون جنيه إسترليني سنويًا لدعم القطاع الأمني في الأردن، بالإضافة إلى دعمها للحوكمة والتحديث السياسي، فضلاً عن دعم المجتمعات المضيفة واللاجئين.

وفيما يتعلق بالاستثمارات البريطانية في الأردن، أشار السفير إلى أن هناك بعض الشركات البريطانية التي تعمل في السوق الأردني، إلا أن الاستثمارات الرأسمالية الكبرى ليست واسعة النطاق.

وأشار إلى أن هناك اهتمامًا في قطاع الدفاع، كما أن هناك بعض الاهتمام المحدود بالطاقة المتجددة، وخاصة إذا ما انطلق قطاع الهيدروجين الأخضر، لكن الشركات البريطانية في هذا المجال لديها خبرات متخصصة أكثر من كونها شركات كبرى تقود مشاريع ضخمة.

وأوضح السفير أن هناك بعض التحديات التي تواجه جذب الاستثمارات البريطانية إلى الأردن، ومن أبرزها ارتفاع تكاليف الطاقة، وحجم السوق المحدود، مما يجعله أقل جاذبية للمستثمرين الذين يبحثون عن أسواق كبيرة.

وأضاف أن الشركات البريطانية مهتمة بالتوسع في مجالات محددة مثل تكنولوجيا الأمن السيبراني والخدمات المالية، لكن الاستثمار الصناعي على نطاق واسع لا يزال يواجه تحديات.

واختتم السفير حديثه بالتأكيد على أن بريطانيا ملتزمة بمواصلة دعم الأردن في مختلف المجالات، سواء في الأمن والدفاع، أو في الإصلاح السياسي، أو في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وأكد أن هناك فرصًا للنمو في المستقبل، خاصة من خلال تعزيز الشراكات بين الشركات الأردنية والبريطانية، والاستفادة من الخبرات البريطانية في القطاعات الناشئة.

وفي نهاية اللقاء، دار حديث بين الحضور والسفير البريطاني، حيث تم تبادل وجهات النظر حول سبل تعزيز التعاون بين الأردن والمملكة المتحدة في مختلف المجالات، وخاصة في القطاع الاقتصادي والاستثماري.

وناقش الحضور أهمية تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من التجارب الناجحة في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

كما تطرق الحديث إلى أهمية الاستقرار الاقتصادي كعنصر أساسي لدعم الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأردن، مؤكدين أن تعزيز العلاقات الثنائية سيعود بالنفع على البلدين، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون المستقبلي.

المملكة