يتفاقم سوء الأوضاع السودانية في السودان، مع تقدم قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، مما دفع مئات الألوف للنزوح من عاصمة الولاية التي كانت بالأساس مقصدا للنزوح.
وجدد تطور الأحداث التحذيرات والنداءات من المنظمات الإغاثية والإنسانية الدولية بشأن تداعيات ازدياد وتيرة العنف في السودان التي عززت وصف الأمم المتحدة الذي يقول إن "أزمة النزوح في السودان هي الأكبر في العالم"، وسلطت الضوء من جديد على أزمة السودان الإنسانية.
وأعلن الجيش السوداني الثلاثاء الماضي الانسحاب من مواقع في ود مدني بعد دخول الدعم السريع مما أدى لنزوح جماعي للمدنيين.
وتبعد ود مدني نحو 170 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة الخرطوم وهي مركز مساعدات وملجأ للنازحين داخليا، وعاصمة ولاية الجزيرة، وهي منطقة زراعية مهمة في بلد يواجه تفاقم الجوع.
وحققت قوات الدعم السريع شبه العسكرية تقدما في الأسابيع القليلة الماضية، وعززت قبضتها على إقليم دارفور الشاسع وسيطرت على أراض جديدة تمتد شرقا نحو العاصمة الخرطوم.
"مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة"
ودعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أطراف النزاع بشكل عاجل إلى ضمان حماية جميع المدنيين وتهيئة ممر آمن للأشخاص الذين يحاولون بلوغ بر الأمان.
وقال رئيس بعثة اللجنة الدولية في السودان بيير دورب الخميس في بيان: "نخشى أن تتحول مدينة ود مدني، التي كانت تعد ملاذًا آمنًا للأشخاص الفارين من العنف الشديد في الخرطوم، إلى فخ آخر للموت".
وحذرت المنظمة الدولية للهجرة الخميس من أن ما يشهده السودان "مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة في الأساس".
وأسفرت الحرب في السودان عن سقوط أكثر من 12 ألف قتيل حتى مطلع كانون الأول/ديسمبر وفقا لحصيلة بالغة التحفظ لمنظمة أكلد المتخصصة في احصاء ضحايا النزاعات.
كما أدت الى نزوح 7.1 مليون شخص داخل البلاد فيما لجأ أكثر من 1.5 مليون الى الدول المجاورة، وفق ما أعلن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة الخميس، واصفا ما يجري بـ"أكبر أزمة نزوح في العالم".
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، من أن تصاعد القتال في ولاية الجزيرة السودانية أجبر ما لا يقل عن 150 ألف طفل على ترك منازلهم في أقل من أسبوع.
وقالت يونيسف إن اندلاع القتال في الجزيرة يعني أن أكثر من نصف ولايات السودان – 10 من أصل 18 ولاية – تشهد نزاعاً نشطاً، ويعيش في ولاية الجزيرة قرابة 5.9 مليون شخص، نصفهم تقريبًا من الأطفال.
وتعد مدينة ود مدني بمثابة المركز الرئيسي للعديد من الخدمات الأساسية المنقذة للحياة في ولاية الجزيرة، بما في ذلك مركز غسيل الكلى الوحيد في الولاية.
وتستضيف المدينة حالياً مئات الأطفال الأكثر هشاشة الذين تم إجلاؤهم من أجزاء أخرى من البلاد، وكانت بمثابة مركز للعمليات الإنسانية منذ اندلاع القتال في أبريل/نيسان.
ومنذ منذ تصاعد النزاع في السودان في 15 أبريل/نيسان، فر حوالي 500 ألف شخص من العنف في أماكن أخرى من البلاد إلى ولاية الجزيرة، ولجأ نحو 90 ألف منهم إلى عاصمة الولاية ود مدني.
وعلق برنامج الأغذية العالمي بشكل مؤقت المساعدات الغذائية لبعض مناطق ولاية الجزيرة السودانية، وسط اتساع القتال إلى جنوب العاصمة السودانية الخرطوم وشرقها.
وذكر البرنامج أن نحو 300 ألف شخص فروا من الجزيرة في غضون أيام عندما اندلعت اشتباكات هناك الأسبوع الماضي.
وأوضح إيدي روي ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره في السودان أن الهيئة علقت تسليم المساعدات الغذائية في بعض المناطق بالجزيرة، وأشار إلى أن الفرق تعمل على مدار الساعة لتقديم المساعدات في المناطق التي لا يزال من الممكن تقديمها فيها.
نهب أسواق وإطلاق نار عشوائي
وتحدث شهود عيان عن "قصف طائرات حربية لتجمعات لقوات الدعم السريع شمال سنار ما أثار الرعب بين السكان".
والجيش هو الوحيد بين طرفي الصراع المزود بقوات جوية. في المقابل، تفضّل قوات الدعم السريع العمل من خلال وحدات خفيفة ومتحركة تتنقل باستخدام شاحنات صغيرة مزودة رشاشات ثقيلة.
وحيثما تمر قوات الدعم السريع، ينتاب الرعب السيدات والفتيات من التعرض "لعنف جنسي" وهو تهديد متكرر في هذه الحرب، بحسب ما تقول منظمة رعاية الأطفال ("سايف ذا تشيلدرن").
في سوق الحصاحيصا، شاهد صحافي في فرانس برس أبواب المحال التجارية مفتوحة والبضائع مبعثرة.
وقال عمر حسين (42 عاما) الذي تمتلك أسرته متاجر في السوق "هل جاءت قوات الدعم السريع لمحاربتنا نحن كمواطنين أم لقتال الجيش؟".
وأكد أن أسرته فقدت كل تجارتها "بعدما تمّ نهب محلاتها وسياراتها".
في سوق تمبول، أحد أهم الأسواق التجارية في شرق ولاية الجزيرة، "اقتحمت قوات الدعم السريع السوق وهي تطلق النار بشكل عشوائي"، بحسب ما أفاد شهود.
"تفتيش كل غرفة"
وأعرب مجلس الأمن الدولي عن "قلقه" إزاء تكثيف المعارك في السودان "وأدان بشدة" الهجمات على المدنيين وامتداد الحرب الى "مناطق تأوي أعدادا كبيرة من النازحين".
ومنذ اندلاع الحرب، يتبادل الطرفان الاتهامات بمهاجمة المدنيين.
وتروي رباب التي تقطن قرية شمال ود مدني ورفضت الافصاح عن اسمها الكامل، أن قوات الدعم لدى وصولها "خلقت حالة من الهلع بإطلاق النار أمام المنزل ودخلوا ولم يتركوا غرفة إلا فتشوها".
السبت، أكد شهود أن قوات الدعم "قتلت ثمانية أفراد من قرية أم دقرسي (بولاية الجزيرة) عندما اعترضوا الى نهبهم سيارات من داخل القرية".
وتسيطر قوات الدعم السريع، وهي قوة خرجت من رحم الميليشيات التي نشرها الجيش قبل عقدين من الزمن لقمع التمرد في دارفور، على معظم أنحاء الخرطوم منذ الأيام الأولى للحرب.
ويسيطر الجيش الذي يملك طائرات، ولكن القليل من قوات المشاة، على شرق السودان وشماله مما يثير مخاوف من احتمال تفكك ثالث أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة.
أ ف ب + رويترز + المملكة