اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يصادف الأربعاء، يأتي وصدى الحرب على غزة يطن في آذان الملايين ليس في فلسطين وحدها بل في أرجاء العالم حيث تتكشف الفظائع الإسرائيلية التي ارتكبت على مدى 55 يوما شيئا فشيئا؛ شهداء وجرحى لا يزالون تحت الأنقاض شيوخ وأطفال ونساء وشباب في ريعان العمر؛ تعيد لأذهان العالم ما كان يحذّر منه جلالة الملك عبدالله الثاني منذ سنوات في المحافل والمنابر الدولية، من أن انعدام العدالة للشعب الفلسطيني والحق بإقامة دولته المستقلة وتقرير مصيره قد يقود إلى كارثة. وقد صدق الحدْس.
فجلالته يحمل هموم الأمة العربية ويضع القضية الفلسطينية أولوية ضمن الأجندة السياسية باعتبارها قضية أردنية بأبعادها القومية والتاريخية والحضارية والإنسانية، وهي قضية قومية وعهدة عمرية يحملها ملوك بني هاشم ومن حولهم أبناء شعبهم الأردني العربي الوفي يدافعون عنها بالغالي والنفيس.
فمنذ اليوم الأول للحرب على غزة، كرس جلالته كل جهوده الحثيثة لوقف هذه الحرب والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لأهلنا في قطاع غزة، الأمر الذي أسهم في إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة صدارة قضايا العالم، وتشكيل استدارة في الموقف الدولي ومواقف الرأي العام العالمي في المطالبة بوقف العدوان.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان، قال؛ إن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني والذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم ( 40/32ب) لعام 1977، يشكل اعترافا عالميا رسمياً بالظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني، وهو صحوة ضمير إنساني يجب أن تتجسد في تفعيل الإرادة الدولية بإلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما فيها حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف، تأتي مناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام، بالتزامن مع حرب الإبادة الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة المحتل، وتعرض مدن الضفة الغربية لحملة اقتحامات وقتل واعتقالات متواصلة، ومدينة القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، في فوهة الإجرام والمجازر الإسرائيلية.
فكان "طوفان الأقصى"، يقول كنعان، نداء إنسانيا نضاليا للعالم للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والمساهمة في إنقاذه من الابرتهايد الإسرائيلي، خاصة أن حكومة اليمين الإسرائيلية المتطرفة تسابق الزمن لإنجاز مخططات الحركة الصهيونية التي تعود جذورها إلى عام 1799 حين وجه نابليون رسالة إلى يهود العالم باستعداده لمساعدتهم على الاستيطان في فلسطين، رغبة منه بالحصول على قروض من اليهود لتمويل حملته على مصر وبلاد الشام.
ومن بعدها كان مؤتمر بال عام 1897 بمخرجاته التي تبلورت مع أهداف الحركة الصهيونية ومشروعها بإنشاء الوطن القومي لليهود، وأعقب ذلك وعد بلفور عام 1917 والتسهيلات التي قامت بها حكومة الانتداب البريطانية بإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين التاريخية والاعتراف به عام 1948، ولم تنته المؤامرة الظالمة على الشعب الفلسطيني عند هذه المحطات القاسية بل ساندتها مواقف بعض الدول التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأشار كنعان إلى إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تقترن احتفالية "التضامن مع الشعب الفلسطيني" بإقامة معرض بعنوان (فلسطين أرض وشعب) ليجسد النكبة الفلسطينية في الذكرى 75، لإنعاش الذاكرة العالمية الرسمية والشعبية بمأساة مئات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين ونزوح ولجوء الملايين.
وقال، في أيامنا هذه يشاهد العالم حرب إبادة في قطاع غزة، نتج عنها نحو 15093 شهيداً، و38900 جريح و 1.65 مليون نازح، و 234 ألف وحدة سكنية متضررة، و3200 معتقل من الضفة الغربية التي تشهد اقتحامات دموية بموازاة سياسة إسرائيلية متواصلة في هدم البيوت ومصادرة الأراضي وجرفها واقتلاع الأشجار وإصدار قوانين عنصرية والمضي في تسمين المستوطنات وإنشاء البؤر والمستوطنات الاستعمارية في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأكد أن الجرح الفلسطيني النازف والظلم الواقع عليه منذ عقود طويلة من الاستعمار والاستبداد والإبادة الإسرائيلية، يتطلب تضامنا عالميا لإنقاذ الملايين من الفلسطينيين من جريمة إبادة شرسة وعلى العالم كله تحمل مسؤوليته ومغادرة حالة الصمت واتخاذ ما يلزم من ردع وعقوبات توقف الجريمة الإسرائيلية البشعة في عصر يتغنى فيه العالم بالديمقراطية وحقوق وكرامة الإنسان.
مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية رفيق خرفان، أشار إلى أن "يوم التاضمن مع الشعب الفلسطيني" يتزامن هذا العام مع حرب شعواء تشنها إسرائيل على قطاع غزة ذهب ضحيتها آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين وتشريد الآلاف الذين أصبحوا بلا مأوى في العراء فاقدين لمقومات الحياة الطبيعية؛ لافتا إلى أن أشقاءنا في فلسطين عامة وفي غزة خاصة بأمس الحاجة إلى التضامن معهم الآن أكثر من أي وقت ليس في الأردن والعالم العربي فحسب بل وفي المجتمع الدولي بأسره.
ولفت إلى أن الوضع في غزة أصبح كارثيا ولابد للمجتمع الدولي من التدخل السريع لوقف هذه الحرب والحيلولة دون المزيد من الخسائر في الأرواح البشرية والتدمير الشامل، فيما ينذر الوضع البيئي المتردي بتفشي الأوبئة والأمراض.
وأشار خرفان إلى الدور الكبير الذي قامت به الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني والتي تمثلت بجولات مكوكية في مختلف الدول من أجل حشد الجهود لوقف الحرب على غزة وإيصال المساعدات الإنسانية نصرة لغزة دعما لحق الشعب الفلسطيني أرضا ومقدسات.
وأضاف، "في هذا اليوم نحيي صمود أهلنا وأشقائنا الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ونؤكد على دعم الأردن لهم بقيادة جلالة الملك ومساندتهم في نضالهم العادل والمشروع لنيل حقوقهم الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس ورد كافة المظالم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني".
النائب السابق هايل ودعان الدعجة قال "اعتاد العالم على إحياء ذكرى اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة، بالخطابات والتصريحات وتسجيل المواقف دون أن يقترن ذلك بجهود دولية عملية من شأنها ترجمة هذه المطالب إلى إجراءات على أرض الواقع؛ ما شجع الكيان الإسرائيلي على الاستمرار بممارسة الاعتداءات الوحشية والاعتقالات والاقتحامات وسياسات التهويد وتدمير المنازل وبناء المستوطنات والتنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني.
وأضاف: كان هذا الظلم الواقع على الفلسطينيين بمثابة الدليل على فشل المجتمع الدولي في إنصاف الفلسطينيين وضمان حقوقهم كما ذكر جلالة الملك حين تساءل "كيف سيثق العالم بالعدالة الدولية؟" و"أين التضامن الدولي ليعطي المصداقية لقرارات الأمم المتحدة؟"، واضعا جلالته المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية والإنسانية والقانونية في التعاطي مع ملف القضية الفلسطينية.
وفي هذه السنة، يقول الدعجة، يعود "اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" على وقع بركان هز الكيان الإسرائيلي ومرغ أنفه بالتراب، ولتعود القضية الفلسطينية وبقوة إلى الواجهة العالمية مع ارتكاب هذا الكيان الغاصب لأبشع الجرائم والمجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى مرأى من دول وشعوب العالم، بصورة بدأت تشهد تحولا ملحوظا في المواقف الدولية من ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأشار إلى التظاهرات المليونية التي شهدتها معظم عواصم العالم في أميركا وأوروبا وهي ترفع الأعلام الفلسطينية مطالبة بوقف إطلاق النار وإقرار حق الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة والدفع نحو إيجاد أفق سياسي كما كان يطالب جلالة الملك الذي تساءل "هل كان على العالم أن ينتظر هذه المأساة الإنسانية والدمار الرهيب ليدرك أن السلام العادل والشامل الذي يمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على أساس حل الدولتين هو السبيل الوحيد للاستقرار والخروج من مشاهد القتل والعنف؟".
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد الشنيكات، قال، "لا يوجد أفضل من العلاقة بين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني كدلالة على التضامن التاريخي والنضال المشترك يعززه آمال ومعتقدات واحدة، وجغرافيا سياسية واحدة، وقيم مشتركة".
في أحداث غزة، يضيف الشنيكات، كان الأردن حاضرا بقوة في دعم صمود الأهل، قيادة وشعبا منذ اللحظات الأولى للحرب، فالسياسة العليا للدولة استنفرت لحشد العالم من أجل وقف العدوان وتقتيل الأبرياء وتدمير الحياة في القطاع، وعلى الأرض كان المستشفى الميداني يلبي نداء الأخوة، ومن الجو تم إنزال المساعدات الطبية، داعيا إلى أن يتخذ "يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني" أبعادا عالمية تنتهي بحل المشكلة من جذورها من خلال منح الشعب الفلسطيني حقه بدولته المستقلة.
بترا