يعود الاحتلال الإسرائيلي لتكثيف هجماته واعتداءاته على قطاع غزة المحاصر باستخدامه "الفسفور الأبيض" المحرم دوليا وفقا لما أكدته المديرية العامة للدفاع المدني في غزة الأربعاء، وهي ليست المرة الأولى التي يستخدم بها الاحتلال أسلحة محرمة دوليا، وسط صمت دولي وغياب المحاسبة.
هيومن رايتس ووتش أكدت في تقرير سابق أن استخدام إسرائيل لذخائر الفسفور الأبيض ينتهك القانون الإنساني الدولي، الذي يتطلب اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتفادي الإضرار بالمدنيين ويحظر الهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
المديرية العامة للدفاع المدني في غزة، الأربعاء، أكدت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم سلاحا محرما دوليا وهو "الفسفور الأبيض" في هجمات عدة، مشيرة إلى أن لديها إثباتا ومواثيق على استخدامه.
وقالت "ثبت لدينا في أكثر من مكان استخدام الجيش الإسرائيلي للفسفور الأبيض في عدة هجمات منها في الجنوب وفي الكرامة وكذلك استخدام الفسفور المحرم في قصف ميناء غزة".
وأوضحت أن هذا السلاح استخدم قبل ذلك في حرب عام 2008 على قطاع غزة، وكذلك يستخدمه جيش الاحتلال في هذه الحرب الشديدة.
وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين من جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السبت الماضي، إلى أكثر من ألف ومئتي شهيد ونحو 5 آلاف جريح على الأقل، بحسب حصيلة جديدة نشرتها وزارة الصحة في القطاع الأربعاء.
وقالت الوزارة الفلسطينية في بيان، إن "1550شهيدا وأكثر من 5184 جريحا" من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم الخامس على التوالي.
رئيس شعبة الهندسة الكيميائية في نقابة المهندسين محمد المحاميد قال في تصريح لـ"المملكة" الأربعاء، إن مادة "الفسفور الأبيض" يمكن استخدامها سلميا أو لاستخدامات عسكرية محرمة.
وأوضح المحاميد أن الاستخدامات السلمية تكون بالأسمدة الصناعية ومبيدات القوارض والطلاء الكهربائي وصناعة بعض المواد الكيميائية، فيما الاستخدام العسكري له خطورة تكمن بامتزاجه مع الأوكسجين.
وعن طبيعة الفسفور يعرفه المحاميد بأنه مادة شمعية شفافة لونها أبيض مائلة للاصفرار لها رائحة كرائحة الثوم وتصنع من الفوسفات وتتفاعل مع الأوكسجين بسرعة كبيرة وتنتج نارا ودخانا أبيض كثيفا.
وفي حديثه عن الاستخدام التاريخي لتلك المادة قال إن أول من استخدم الفسفور "سلاحا" في القرن التاسع عشر كان في حرب فيتنام، مشيرا إلى أنه تم تحريمه دوليا حسب اتفاقية جنيف عام 1980 التي تنص على تحريم استخدامه سلاحا لأنه حارق للبشر والبيئة أيضا وخطورته ليست فقط على البشر بل على الكائنات الحية بشكل عام وعلى البيئة.
ولفت المحاميد إلى أن الفسفور تكمن خطورته بأنه يسبب حروقا قوية جدا في جسد الإنسان لدرجة أن هذه الحروق قد تصل إلى العظم.
وبيّن أن له مشاكل على البيئة إذا ترسب بالتربة ويسبب مشاكل بيئية وتلوثا للأنهار والتربة وفيما بعد يصل للإنسان وبهذا يتأثر به الإنسان مرة أخرى.
وعن تأثير الفسفور قال إنه إذا استخدم "سلاحا" فكل قذيفة من هذا السلاح يمكن أن تقتل على مدى 150 مترا كل ما حولها من كائنات حية.
ولفت المحاميد إلى أنه عند استنشاق هذا الغاز فإنه يسبب ذوبانا بالقصبة الهوائية والرئتين، وعندئذ يؤدي إلى تآكل بالأجهزة التنفسية ويسبب الوفاة بشكل مباشر.
وقال إن التعرض بنسب قليلة قد تؤدي إلى حروق لامعة في الوجه والعينين بشكل عام.
الوقاية
وبيّن أن الوقاية الوحيدة من هذا الغاز عند التعرض له هي التنفس من خلال قطعة قماش مبللة بالماء وتوضع على الأنف والفم ويتم التنفس منها، وهي الوسيلة الوحيدة للوقاية.
وشدّد على أن أهم شيء ألّا يدخل هذا الغاز على الجهاز التنفسي لأنه يسبب ذوبان القصبة الهوائية والرئتين، مشيرا إلى أنه إذا لامس الجلد أو أي منطقة أخرى بكميات كبيرة لا بد من غسل الكمية المصابة أو المنطقة المصابة بكميات كبيرة بالمياه لتقليل الأثر المرافق للحرب.
وبيّن أنه يساعد في انتشاره اتجاه الرياح وغير ذلك من الظروف الجوية التي تساعد على انتشاره على مدى أوسع.
تصاعد أعمدة الدخان بعد القصف الإسرائيلي على مدينة غزة .11 أكتوبر 2023.(أ ف ب)
وتُحرّم اتفاقية جنيف عام 1980 استخدام الفوسفور الأبيض ضد السكان المدنيين أو حتى ضد الأعداء في المناطق التي يقطن فيها مدنيون، وتعدّ استخدامه جريمة حرب.
واستخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أسلحة محرمة دوليا ضد الشعب الفلسطيني في وقت سابق، حيث أكد مندوبو منظمة العفو الدولية الذين زاروا قطاع غزة 2009 وجود أدلة لا سبيل إلى دحضها على استخدام الفسفور الأبيض على نطاق واسع في المناطق المكتظة بالسكان في مدينة غزة وشمال القطاع.
وقال كريستوفر كوب-سميث، وهو خبير في الأسلحة وكان في غزة عضوا في فريق منظمة العفو الدولية لتقصّي الحقائق المؤلف من أربعة أعضاء عام 2009: "رأينا شوارع وأزقة مليئة بالأدلة على استخدام الفسفور الأبيض، ومنها رؤوس لا تزال مشتعلة وبقايا القنابل والأغلفة التي أطلقها الجيش الإسرائيلي".
في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، شنت إسرائيل عدوانا على قطاع غزة، أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "حرب الفرقان".
وكانت تلك "الحرب"، هي الأولى التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، واستمرت 21 يوما.
واستخدم الاحتلال الإسرائيلي، أسلحة غير تقليدية ضد أهالي القطاع؛ أبرزها قنابل الفسفور الأبيض، واليورانيوم المخفف، الذي ظهر على أجساد شهداء.
وأسفر العدوان الإسرائيلي، عن استشهاد نحو 1417 من بينهم 412 طفلا و111 امرأة، وإصابة 4336 آخرين.
وجرى خلال العدوان تدمير منازل مدنيين، ومساجد، ومدارس، وجامعتين، ومنشآت صحية ومستشفيات.
واعترفت إسرائيل آنذاك بمقتل 13 إسرائيليا، بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين.
في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، شنت إسرائيل عدوانا على قطاع غزة؛ أسمته حماس “حجارة السجيل"، واستمرت لـ8 أيام.
وبدأت الحرب عقب اغتيال إسرائيل، لأحمد الجعبري، قائد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في اليوم نفسه.
واستشهد 163، بينهم 42 طفلا و12 أمراة و15 مسنا، في حين بلغ عدد المصابين 1222، من بينهم 431 طفلا و207 نساء، و88 مسنا.
وبينما لم يعلن الاحتلال الإسرائيلي عن الرقم الإجمالي لقتلى رد الفصائل الفلسطينية، تحدث على وسائل إعلام عبرية عن 6 قتلى (2 عسكريان، و4 مدنيين، و240 جريحا).
وخرجت مسيرات عديدة في مناطق مختلفة في فلسطين تندد بالعدوان الإسرائيلي على القطاع، كما استهدف الاحتلال صحفيين.
في 8 تموز/ يوليو 2014، شنت إسرائيل عدوانها الثالث على قطاع غزة، أطلقت عليه حماس "العصف المأكول".
واستمرت الحرب 51 يوما، فقد تعرض القطاع لعدوان عسكري إسرائيلي جوي وبري، تسبب باستشهاد 1935 فلسطينيا، بينهم 578 طفلا، و489 امرأة، و102 مسن، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.
وجرح نحو 11 ألفا آخرين، وفقا لإحصاءات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية.
في المقابل، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن مقتل 68 عسكريا من جنودها، و4 مدنيين، وإصابة 2522 إسرائيليا بجروح، بينهم 740 عسكريا، نحو نصفهم باتوا من ذوي الإعاقة، حسب بيانات إسرائيلية.
كما نتج عن العدوان، وقوع جنديين إسرائيليين في قبضة كتائب القسام، أحدهما أعلنت عن أسره في 20 تموز/ يوليو، ويدعى “أرون شاؤول”، خلال تصديها لتوغل بري شرقي غزة، والآخر أعلنت إسرائيل عن فقدانه برفح خلال الحرب، ثم قالت "حماس" لاحقا إنه في قبضتها.
وكانت السلطات الإسرائيلية، قد أعلنت عن فقدان جثتي جنديين في قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية عام 2014، لكن وزارة الدفاع عادت وصنفتهما، مؤخرا، بأنهما "مفقودان وأسيران".
في 10 أيار/مايو 2021، شنت إسرائيل عدوانها الرابع على قطاع غزة، أطلقت عليه حماس "سيف القدس".
وردت الفصائل الفلسطينية، على الاحتلال الإسرائيلي بالصواريخ والطائرات المسيرة بعد غارات على مبانٍ مدنية.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، عن استشهاد 119فلسطينيا، بينهم 31 طفلا و19 سيدة، و830 جريحا، وما زال العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع، حتى 14 أيار/مايو.
ردّ الفصائل الفلسطينية، على الاحتلال الإسرائيلي جاء بعد الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في المسجد الأقصى خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، والاستفزازات على أهالي الشيخ جراح.
وأطلقت كتائب القسام طائرات وصواريخ جديدة.
أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في قطاع غزة، في 7 تشرين الأول 2023 عملية "طوفان الأقصى" فجر السبت، ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة".
في المقابل، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية "السيوف الحديدية" ويواصل شنّ غارات مكثفة حتى كتابة هذا التقرير على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، من جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ 2006.
هيومن رايتس ووتش
هيومن رايتس ووتش وثقت بتقرير سابق اطلعت عليه "المملكة" استخدام إسرائيل الموسع لذخائر الفسفور الأبيض في أثناء عملياتها العسكرية التي دامت لـ22 يوما في غزة، من 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، حتى 18 كانون الثاني/ يناير 2009، وكانت باسم عملية "الرصاص المصبوب". وبناء على تحقيقات مستفيضة في غزة، انتهى التقرير إلى أن قوات الجيش الإسرائيلي تكرر تفجيرها لذخائر الفسفور الأبيض في الجو فوق مناطق مأهولة بالسكان، مما أدى إلى استشهاد وإصابة المدنيين، وإلحاق الأضرار بالأعيان المدنية، ومنها مدرسة وسوق تجاري ومخزن للمساعدات الإنسانية ومستشفى.
صورة للدخان الناتج عن القصف الإسرائيلي بالذخائر الحارقة فوق ميناء مدينة غزة .11 تشرين الأول/ أكتوبر، 2023.(أ ف ب)
ما هو الفسفور الأبيض؟
ووفق هيومن رايتس ووتش فإن الفسفور الأبيض هو مادة كيماوية تشتعل وتحترق لدى اتصالها بالأوكسجين، وتولد دخانا أبيض كثيفا يدوم لمدة سبع دقائق، وله رائحة مميزة تشبه رائحة الثوم.
ويستخدم العسكريون ذخائر الفسفور الأبيض بالأساس بصفته "مادة تمويه" لتغطية التحركات الخاصة بالعمليات البرية، من قوات ومدرعات ومركبات.
ويمكن أيضا استخدامه سلاحا حارقا لإحراق أو "إخراج العدو بالنار" من مكمنه، أو لإشعال النار في الأهداف العسكرية.
ويمكن استخدام الفسفور الأبيض في قذائف المدفعية أو القنابل أو الصواريخ أو القنابل اليدوية، وحين يتم استخدامه بحيث يشتعل في الجو، يمكن أن تسقط 116 شظية مغلفة بالفسفور من القذيفة المدفعية 155 ملم العادية، وتنتشر الشظايا المذكورة على مساحة تصل إلى 250 مترا (قطر الدائرة).
وإجمالا فإن القذيفة المتفجرة جوا تُطلق ما هو مجموعه 12.74 رطلا (5.7 كيلوغرام) من الفسفور الأبيض المحترق.
وحين يلامس الفسفور الأبيض الأشخاص أو الأشياء، فهو يؤدي إلى حروق كثيفة ودائمة الأثر، ويبعث بحرارة مرتفعة ويمتص السوائل، وهو قابل للذوبان في المواد العضوية والدهون لكن ليس في الماء، التي تعادل أثره بأن تقطع عنه إمداد الأوكسجين.
وبالإضافة إلى التسبب بحروق جسيمة، فإن الفسفور الأبيض يمكنه أيضا اختراق الأجساد وإصابة الأعضاء الداخلية بالتسمم.
استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض
ووفق هيومن رايتس ووتش فإن استخدام إسرائيل لذخائر الفسفور الأبيض في أثناء النزاع المسلح في غزة ينتهك القانون الإنساني الدولي من وجهتين، أولا، استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للفسفور الأبيض المتفجر جوا سلاحا للتمويه في مناطق مكتظة بالسكان في غزة ينتهك الالتزام باتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنية، وثانيا، استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض المتفجر جوا في وقائع معينة مما أدى لخسائر في صفوف المدنيين، يخرق الحظر على الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة.
وبيّنت هيومن رايتس ووتش أن استخدام الفسفور الأبيض مادةً للتمويه في مناطق مكتظة بالسكان في غزة ينتهك المطلب الخاص بالقانون الإنساني الدولي باتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لإلحاق الخسارة بأرواح المدنيين أو إصابتهم. ومصدر القلق هذا يفاقم منه الأسلوب الخاص بالاستخدام (للفسفور الأبيض) الذي شهدته هيومن رايتس ووتش وتبينت من صحته في الصور الإعلامية لمقذوفات الفسفور الأبيض المتفجرة جوا. والتفجير في الهواء ينثر شظايا محترقة على مساحة نصف قطرها 125 مترا من نقطة الانفجار، مما يعرض المزيد من المدنيين والأهداف المدنية للضرر، أكثر من الانفجار على الأرض.
صورة للدخان الناتج عن القصف الإسرائيلي بالذخائر الحارقة فوق ميناء مدينة غزة .11 تشرين الأول/ أكتوبر، 2023.(أ ف ب)
المملكة