بدأت جلسة مجلس النواب، الاثنين، للاستماع إلى خطاب الموازنة العامة لسنة 2023، حيث ألقى وزير المالية خطاب الموانة مؤكدا أن حس المسؤولية يحتم الابتعاد عن الحلول المؤقتة لتلطيف وتجميل الواقع والتي حتماً ستعود في وقت وجيز على شكل مشكلات هيكلية أعمق وأكثر إيلاماً.
وقال وزير المالية محمد العسعس خلال إلقائه الخطاب: "نقف اليوم كما العالم أجمع، على أعتاب مرحلة نشهد فيها عاماً يتعرض فيه الاقتصاد العالمي لأوضاع اقتصادية مضطربة، تتفاعل نتيجة ظروف دولية عاصفة ومفتوحة على الاحتمالات".
وبين أن "الأردن الذي لم يكن بمنأى عن هذه التطورات، قد مرّ عبر تاريخه بظروف عصيبة وأزمات عديدة تمكن بفضل الله من تخطيها بثبات. ولإن تعرضت مسيرتنا لامتحان قاس وتحديات كبيرة كباقي دول العالم، إلا أننا أثبتنا جميعاً رغم الاختلاف الذي قد يظهر في توصيف المشكلات ومعالجتها"، مؤكدا أن "الأردن باقتدار وحكمة قيادته الهاشمية ووعي شعبه سيتجاوز هذه التحديات ويواصل مسيرة الإصلاح والإنجاز".
وأضاف أنه "إذ يقف العالم اليوم بعد الخروج من جائحة كورونا، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية والركود التضخمي أمام تحديات مصيرية. حيث كلما اتخذت الاقتصادات الكبرى سياسات لاحتواء هذه الأزمات، انعكست قراراتهم الداخلية كهزات تعصف باقتصادنا. وأمام هذا المشهد المعقد عالمياً، لا بد من قراءة تقوم على الصدق مع النفس والشفافية دون تنميق أو تهويل. لذلك، يجب علينا تقييم السياسات الاقتصادية السابقة التي وإن كانت تفي بحل الأزمات المرحلية آنذاك، إلا أنها قد لا تلبي متطلبات المرحلة الحالية لبناء اقتصاد منيع يقوم على رفع الإنتاجية وزيادة النمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن الأردني".
الشعور بالإحباط
وأشار إلى أن "حس المسؤولية يحتم علينا الابتعاد عن الحلول المؤقتة لتلطيف وتجميل الواقع والتي حتماً ستعود علينا في وقت وجيز على شكل مشكلات هيكلية أعمق وأكثر إيلاماً. فمنذ تكليف هذه الحكومة، عملت في ظل ميثاق معلن وضمني على تجنب الإسراف في الوعود وعدم رفع مستوى التوقعات دون وقائع. وبهدف تجسير فجوة الثقة بين الشعب والحكومات لم نطلق وعوداً جزافاً. وفي المقابل، انتهجت هذه الحكومة الابتعاد عن سياسة ترحيل وتجنب مواجهة المشكلات ولم تتأخر عن الحلول الجذرية الحقيقية. ومن هذا المنطلق قامت الحكومة بتشخيص عوامل الضعف التي أوهنت القدرات التنافسية للقطاعات الاقتصادية، وقامت بتنفيذ إصلاحات مدروسة لرفع تنافسية الاقتصاد الأردني والحفاظ على استقراره في وجه العواصف العالمية التي أطاحت باقتصادات دول أخرى".
وقال العسعس إن "الحكومة تدرك أن الألم الاقتصادي والصعوبات المالية التي يعيشها أهلنا حقيقية، نراها أرقاماً، ونراها في حياة الناس، نراها في معاناتهم التي نلحظها بقلب يخفق بالألم، وعقل يريد البحث عن الحلول".
"تدرك الحكومة أن الشعور بالإحباط الذي يهدد شبابنا الباحث عن العمل حقيقي، وهو في واجهة سلم أولوياتنا حين نصنع الموازنات ونرسم الخطط. كما تدرك الحكومة أن انخفاض القوة الشرائية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشوه العبء الضريبي بارتفاعه على الطبقة الوسطى بدلاً ممن هم أكثر دخلاً، واعتماده على الضرائب الاستهلاكية غير المباشرة على حساب ضرائب الدخل العادلة التي تميز بين الغني والفقير، والتراجع في مستوى الخدمات والبنية التحتية بعد سنوات من تخفيض الإنفاق الرأسمالي، ومخاطر استمرار ارتفاع العجز في الموازنة وتراكم الدين العام تحديات هيكلية أضعفت الاقتصاد وأضرت بالمستوى المعيشي للمواطنين"، وفق وزير المالية.
وأوضح أن "الحكومة تؤمن إيماناً تاماً بأن تحقيق الأهداف المشروعة للمواطنين يتطلب إعداد الاستجابة التي توازن بين متطلبات استقرار الاقتصاد وطموحات المواطنين، ضمن سياق يتسم بالواقعية بعيداً عن الوعود المبالغ فيها غير القابلة للتحقيق. كما تدرك الحكومة أن السياسات والمبادرات تحتاج إلى وقت لتظهر نتائجها على صورة تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن، لتؤكد على أنها ستكون منفتحة على الآراء والأفكار مع شركائها".
وقال العسعس"نحن نقف بين ضاغطين كبيرين، ضاغط يتعلق بأزمة المواطن المعيشية، وضاغط آخر يتعلق بمالية الدولة وأولوية الحفاظ على استقرارها. وإن الأيادي التي عملت على وضع خطة الدولة المالية لهذا العام كانت تدرك ذلك. وكانت تحاول جاهدة أن تقارب ما بين التخفيف عن الناس من جهة، والحفاظ على استقرار المالية العامة، من جهة أخرى. ونعلم علم اليقين أن لا بديل عن الإستمرار بعملية الإصلاح المالي والإقتصادي والإداري دون تأخير أو ترحيل، عبر إتخاذ قرارات تسكينية من شأنها أن تستنزف إمكاناتنا ومواردنا بصورة غير مستدامة، لأننا لا نقبل بأن نسمح لكلفة أي تأخير بالإصلاح أن تتراكم على كاهل الأردنيين مستقبلاً في شكل فقدان الإستقرار المالي والإقتصادي. ونحن بفضل الله نتمتع بإستقرار إقتصادي تشهد له المؤسسات الدولية."
واضاف أن المصلحة العامة تقتضي العمل على تنمية مواردنا المحدودة مع الإستغلال الحصيف لها من أجل مواجهة مشكلاتنا الجوهرية مواجهة حقيقية تفضي بنا إلى الإنتصار عليها وتحويلها إلى جزء من الماضي. ومع إدراك الحكومة أن المواطن يواجه واقعاً معيشياً مؤلماً إلا أن أي إجراءات تحيد بالإقتصاد عن الإستقرار المالي والنقدي ستؤدي إلى مضاعفة هذه الآلام تحديداً على أفراد الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.
النفقات
وسيصل إجمالي النفقات في مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023، إلى 11.4 مليار دينار؛ بارتفاع تصل نسبته إلى 8.3% مقارنة مع العام الحالي، وفق وزير المالية.
وشرح العسعس خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول عن مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023 في وقت سابق، أن "النفقات الجارية ستصل إلى 9.8 مليار دينار؛ أي بارتفاع عن إعادة تقدير عن العام 2022، هي 766 مليونا، وهو ما يوازي 8.4%".
والنفقات الرأسمالية "ستبقى عند مستوى قريب 1.593 مليار دينار بارتفاع 7.1% عن العام 2022" وفق العسعس.
وقال، إن "اجمالي النفقات، وهي أول موازنة فوق حاجز الـ 10 مليارات دينار" سيصل إلى "11.432 مليارا، أي بارتفاع نسبته 8.3%".
وتحدث العسعس عن "مخصصات كاملة للموظفين في الجهاز المدني والعسكري مع الزيادات السنوية كما هي دون أي تخفيض عليها" مشيرا إلى "رصد المخصصات المالية الكاملة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية" وكذلك "الزيادة السنوية الطبيعية للمتقاعدين المدنيين والعسكريين".
ووزعت النفقات الجارية على 64% من النفقات هي رواتب الجهاز المدني والجهاز العسكري والتقاعد المدني والعسكري.
و16% من النفقات الجارية تذهب كفوائد دين. وعلل العسعس ذلك بالقول "هناك ارتفاع في فوائد الدين العام بسبب ارتفاع الفائدة عالميا بسبب قيام الفيدرالي الأميركي برفع الفائدة وارتفاع أسعار الفائدة عالميا؛ وبسبب الظروف في أوروبا والحرب الأوكرانية الروسية والتي أدت إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض في أسواق المال العالمية".
ولفت النظر إلى "تخصيص 277 مليون دينار تحت بند دعم القمح والشعير والأعلاف في الموازنة؛ لأن الحكومة ملتزمة بالحفاظ على أسعار المواد الغذائية الأساسية الاستراتيجية".
إضافة إلى "مخصصات لازمة لتنفيذ خطة النهوض بالقطاع السياحي والقطاع الزراعي والمشاريع الأخرى التي أطلقتها الحكومة" وفق العسعس الذي تحدث عن رصد لمخصصات رأسمالية للبلديات ومخصصات اللامركزية".
وتبلغ النفقات التشغيلية 498 مليون دينار، وهو رقم بحسب العسعس "يدل على التزام الحكومة بضبط النفقات ومعاكسة ومجابهة الترهل".
الحكومة: نعيش ظروفا اقتصادية صعبة ولدينا خطط للتخفيف منها
قال وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول، إن الاجتماعات التي جمعت الحكومة مع مجلس النواب، جرى خلالها استعراض الأوضاع المالية العامة، مشيرا إلى أن موازنة المملكة السنوية تبلغ قرابة 11.4 مليار دينار.
وأضاف الشبول، وهو الناطق الرسمي للحكومة، في تصريح صحفي، أن مشروع قانون الموازنة للسنة المالية 2023 في حوزة مجلس النواب وهم مطلعون على أرقام الموازنة والنفقات والإيرادات.
وأشار إلى إن مجمل الإيرادات من الضرائب بالإضافة إلى المنح من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تبلغ 9 مليارات دينار، لافتا النظر إلى أن 70% من الموازنة تذهب للرواتب والتقاعد، وعلينا 1.3 مليار دينار خدمة للدين كفوائد على القروض المتراكمة على المملكة، مستدركا أننا نعيش ظروفا اقتصادية صعبة، وزادت من صعوبتها أكثر تداعيات جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية.
وأوضح الشبول، أنه وبالرغم من ذلك فإن أرقام التضخم لا تزال في أدنى مستوياتها بسبب التدخلات التي بدأت قبل الحرب الأوكرانية الروسية بإجراءات جمركية وتخفيض ارتفاع أسعار بعض السلع.
"مناقشة مشاريع قوانين"
وعلى جدول أعمال المجلس الإضافية، من المقرر أن يناقش المجلس قرار اللجنة القانونية، المتضمن مشروع قانون التصديق على معاهدة تسليم المجرمين بين الأردن ورومانيا لسنة 2021، ومشروع قانون التصديق على اتفاقية تسليم الأشخاص بين الأردن وقبرص لسنة 2022.
ومن المقرر أيضا مناقشة مشروع قانون معدل لقانون الأحوال المدنية لسنة 2022، بعد أن أقرته اللجنة القانونية النيابية.
وقال وزير العدل أحمد الزيادات إن التعديلات جاءت للتسهيل على المواطنين الراغبين بتغيير قيود السجلات، فيما أوضح المحافظ في وزارة الداخلية محمد الرفايعة، أن التعديلات جاءت للتسهيل على المواطنين (الأصول والفروع والأخوة)، وللتخفيف عليهم واختصارا للوقت.
يذكر أن الأسباب الموجبة لـ "معدل الأحوال المدنية"، جاءت لمعالجة الخلل في الممارسات العملية الناشئة عن تغيير البينات الواردة في قيود الأحوال المدنية، ليشمل أثر القرار القضائي المدعي وأفراد عائلته وأخوته وأصوله وفروعه وأبناءهم غير الممثلين بالدعوى.
وأقرَّ مجلس الوزراء، خلال جلسته التي عقدها في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، برئاسة رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، مشروع قانون معدِّلٍ لقانون الأحوال المدنيَّة لسنة 2022م.
المملكة