روى شهود عيان وناجون لقناة المملكة، تفاصيل مروعة لحادث هو الأكثر رعبا، إثر تسبب أول منخفض جوي وحالة عدم استقرار تمر على الأردن بأسوأ كارثة لرحلة مدرسية.
في ليلة 25 أكتوبر 2018، كان الأردنيون على موعد لتأخير عقارب الساعة 60 دقيقة، استعدادا للدخول في التوقيت الشتوي، ولم يكن أحد يعلم أن تلك الساعة ستشكل أصعب لحظات يعيشها الأردنيون.
في الأسبوع الأخير من التوقيت الصيفي، بدا كل شيء طبيعيا رغم تحذيرات من قدوم أول منخفض جوي وحالة عدم استقرار تؤثر على البلاد.
المهندسة، ديمة بطاينة، تستعد لرحلة مدرسية إلى زرقاء ماعين برفقة أبنائها، راية وهشام وبشار، الطلبة في مدرسة فيكتوريا بعد أن أخذت إجازة خاصة من عملها.
تولين، طالبة في الصف الثامن، ولاعبة كرة قدم في صفوف المنتخب الوطني للناشئات، ترددت أولا ثم تحمست للرحلة.
وبينما كانت مدرسة فكتوريا قد أنهت كافة الاستعدادات للرحلة كان بعض هؤلاء الأطفال يستعدون وقوفا للنشيد الأخير.
كان عمر الصعوب، الطالب في الصف السادس، من الحاضرين إلى ساحة المدرسة، في حين لم يكن أحمد الحراحشة، الطالب في الصف التاسع، يعلم أنه يلتقط صورا مع بعض زملائه قبيل الانطلاق للمرة الأخيرة.
وصلت ديمة بصحبة أبنائها الثلاثة في الساعة 08:30 صباحا إلى المدرسة ملتحقين بـ 37 طالبا ،بالإضافة إلى 3 معلمات وإدارية ومعلم، غايتهم جميعا أخفض بقعة على وجهة الأرض.
"النزول في وادي زرقاء ماعين لأجل التعايش مع الطبيعة، والمشي عكس التيار لمدة لا تزيد عن 3 ساعات"، أهم ما كان مدرجا في جدول الرحلة.
مهمة التنسيق تعهدت بها شركة سياحية
في الساعة 09:00 من صباح 25 أكتوبر، انطلقت حافلة الرحلة من أمام المدرسة غربي عمّان، وبدا الأطفال مستمتعين، كما وثقت لقطات حصرية بُثت لأول مرة على قناة المملكة، بعد الحصول عليها من هواتف بعض الطلاب.
يقع مدخل وادي زرقاء ماعين في منطقة البحر الميت على بعد 60 كيلو مترا من العاصمة عمّان. في الساعة 11:30 صباحاً، وصلت الحافلة إلى الوادي، حيث كانت الأجواء صافية نسبيا، ولم يكن شيء يدعوا للقلق، قبل أن يدخلوا أعماق الوادي.
انتبه، خطر الموت
توجّس عمر خيفة من تلك العبارة، وخشي أن يكون تراجعه انهزاما أمام قوانين الطبيعة و استسلاما مبكرا أمام شجاعة أقرانه.
وصل 9 طلاب من مدرسة العال في ناعور إلى المنطقة كرحلة فردية، واستقلوا حافلة صغيرة للذهاب أيضا إلى وادي زرقاء ماعين. وكان أكثر من 30 فردا من عائلة العلي قد نزلوا على مقربة من الوادي.
في الساعة 01:00 ظهرا، واصل الطلبة طريقهم بين جدران الوادي مستمتعين بجمال الطبيعة الخلابة، وتخلل ذلك سقوط أولى قطرات المطر قبل أن يعلو صوت ينادي بالعودة والخروج من المكان.
ظهيرة ذلك اليوم تلبدت السماء بالغيوم، وأظهرت صور الأقمار الصناعية غيمة ركامية نتجت بفعل حالة عدم الاستقرار الجوي، ووصلت هذه الغيمة تحديدا إلى منطقة جبال مأدبا.
فجأة تغير كل شيء تقريبا في الساعة 01:45. كافح الجميع من أطفال ومعلمين ومندوبي الشركة السياحية من أجل البقاء على قيد الحياة.
في هذه الأثناء، لم يكن أفراد عائلة العلي في عمق الوادي، غير أنهم باتوا شهودا على أقسى المناظر قبل أن يصبح بعضهم جزءاً من المأساة.
في الساعة 02:33 يرد اتصال للدفاع المدني من قبل مواطن يدعى إبراهيم قدومي، يخبرهم عما يجري في وادي زرقاء ماعين، تلاه اتصال في الساعة 04:45 دقيقة إلى سلاح الجو الأردني. على الفور تم تجهيز طائرة للإخلاء الطبي في دقائق قليلة.
وقت قصير للغاية، وصلت مروحية فوق سماء البحر الميت إلى جوار مروحية أخرى، تم تحويل مسارها إلى البحر الميت أثناء عودتها من العقبة.
وصلت الطائرتان للموقع، وباشرتا في عمليات البحث والإنقاذ جوا، في حين كانت فرق الدفاع المدني مستمرة في البحث على الأرض.
في 06:00 مساءً، حل الظلام ليزيد الأمر سوءاً. تلك لحظات عصيبة على بعض الطلبة العالقين بين الصخور، أو في جنبات المضيق. لقد فقدوا الأمل بالنجاة.
تسارعت الأنباء الواردة من البحر الميت، وحبس الأردنيون أنفاسهم وهم يشاهدون تلك الكارثة عبر وسائل الإعلام.
حزن وصدمة
خيّم الحزن على البلاد، وسادت حالة من الذهول والصدمة، وامتلأ مستشفى الشونة الجنوبية بالأهالي في رحلة بحث مريرة عن أبنائهم.
في منتصف الليل، بدأ التوقيت الشتوي ،وعادت عقارب الساعة 60 دقيقة للوراء؛ فازداد الألم والصدمة والحزن.
تبخرت أحلام عائلة العلي في العثور على آخر المفقودين قبل انقضاء ذلك اليوم.
الجمعة 26 أكتوبر، اليوم الثاني للفاجعة، تواصلت عمليات البحث والإنقاذ حتى أعلن رسميا في اليوم الذي يليه عن انتهاء أعمال البحث رسميا بعد مطابقة الأشخاص المفقودين بعدد المتوفين.
وبلغت الحصيلة للضحايا آنذاك 21، ارتفعت بعد أسابيع إلى 22 بعد وفاة أحد أفراد عائلة العلي متأثرا بإصابته.
دفعت هذه الكارثة إلى تشكيل لجنة تحقق نيابية، ولجنة بتوّجيهات ملكية تضم في عضويتها أهالي مفقودين.
بعد الحادثة ،قدم وزيرا التربية والتعليم والسياحة استقالتهما تحت ضغوط شعبية وبرلمانية، في حين لم يتوقف الجدل حول من يتحمل ثقل الفاجعة.
وقبل صدور تقرير لجنة التحقق النيابية، بدأت أصوات توجه الاتهام لسد زرقاء ماعين البعيد عن موقع الحدث 20 كيلو مترا تقريبا كمتسبب مفترض للحادثة.
تمكن فريق عمل قناة المملكة من الحصول على صور التقطتها 9 أقمار صناعية قبل الحادثة وبعدها لسد زرقاء ماعين، في محاولة لفهم جزء مما حدث ذلك اليوم، بعد مخاطبة عدة جهات أوروبية عدة لتوفير الصور.
تمكن فريق العمل من جمع 142 صورة للمنطقة منذ 24 أكتوبر حتى بداية نوفمبر.
شكلت تلك الصور مادة دسمة للخبراء والمختصين من أجل التحليل والتفسير.
كيف لمياه الأمطار أن تتسبب بالفاجعة؟
حدث فيضان ومضي كبير نتيجة غزارة الأمطار في وقت قصير لايتجاوز 30 دقيقة.
وتركزت كميات الأمطار التي هطلت يوم الفاجعة في منطقة حمامات ماعين والأودية الجانبية حيث بلغ معدل الهطل المطري فيها بين 40-50 ملم.
المياه سقطت من جبال يفوق ارتفاعها 900 متر باتجاه بقعة يزيد انخفاضها عن 400 م تحت مستوى سطح البحر.
تتزود تلك المنطقة بأكثر من 40 واديا جانبيا على مسافة تزيد عن 20 كيلومترا حتى البحر الميت. سارت المياه المصحوبة بالصخور في الأودية وحصلت الكارثة.
صدمة الأهالي والطلاب النفسية دفعت وزارة التنمية الاجتماعية إلى تشكيل فرق تطوعية تضم اختصاصيين نفسيين من موظفي الوزارة، لتقديم الدعم النفسي لأسر ضحايا حادثة البحر الميت، وللطلبة الناجين.
ووفقا للهيئة الدولية لصدمات الكرب المفاجئة، ومقرها الولايات المتحدة الأميركية، فإن الكوارث الجماعية كالفيضانات غالبًا ما تؤثر على الناجين منها فيشتركون بتجربة الصدمة النفسية.
"قد يؤثر ذلك على نظام حياتهم الاجتماعي والمهني أو المدرسي ، وقد يفقد بعضهم الأمل بالمستقبل".
لسنوات مقبلة ستبقى حادثة البحر الميت تاريخا مؤلما في الذاكرة الأردنية.
تحرير محمد السكر
المملكة