انتُخب الرئيس اليساري الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، رئيسًا للبرازيل بفوزه بفارق ضئيل على منافسه الرئيس اليميني المتطرّف المنتهية ولايته جايير بولسونارو، بنسبة 50,83% مقابل 49,17%، وفقًا للنتائج الرسميّة شبه النهائيّة.
وأعلن لولا في خطاب النصر مساء الأحد أنّ بلاده "تحتاج إلى السلام والوحدة"، مضيفًا أنّها "عادت" إلى الساحة الدوليّة ولم تعد تريد أن تكون "منبوذة".
وشدّد في خطابه على أنّه "ليس من مصلحة أحد أن يعيش في أمّة مقسّمة في حالة حرب دائمة"، وذلك بعد حملة انتخابيّة شهدت استقطابًا شديدًا. وتابع "اليوم نقول للعالم إنّ البرازيل عادت" وإنّها "مستعدّة لاستعادة مكانتها في مكافحة أزمة المناخ".
وكان لولا، أيقونة اليسار البالغ من العمر 77 عامًا، قد نفّذ عقوبة بالسجن بتهمة الفساد (2018-2019) قبل أن يأمر القضاء بإخلاء سبيله.
وأشار صحفيّون في وكالة فرانس برس إلى إطلاق ألعاب ناريّة وهتافات في مُدن برازيليّة كبرى مثل ريو دي جانيرو وساو باولو بعد إعلان فوز لولا.
وتجمّعت حشود خارج مقرّ إقامة لولا في ساو باولو حيث كان يُتابع فرز الأصوات.
وقالت ماري ألفيس سيلفا (53 عامًا) وهي تبكي في ساو باولو "إنّها دموع الفرح، لقد تأثّرتُ جدًا! لولا سيُنقذنا من الفاشيّة".
من جهتها، قالت كارولينا فرييو، وهي موظّفة كانت ترتدي فستانًا أحمر طويلًا وتحتفل في حانة بكوباكابانا في ريو دي جانيرو، "إنّه شعور لا يوصَف. لولا سيُغيّر كلّ شيء".
وتلقّى لولا التهاني بفوزه من عدد من زعماء العالم.
وهنّأ الرئيس الأميركي جو بايدن الأحد الزعيم اليساري على فوزه في الانتخابات الرئاسيّة. وقال بايدن في بيان "أوجّه تهانيّ إلى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على انتخابه رئيسًا للبرازيل بعد انتخابات حرّة ونزيهة وذات صدقيّة"، مضيفًا أنّه "يتطلّع إلى العمل" معه "لمواصلة التعاون بين بلدينا".
بدوره، هنّأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الأحد لولا، معتبرًا أنّ انتخابه رئيسًا للبرازيل "يفتح صفحة جديدة في تاريخ" هذا البلد.
وكتب ماكرون على تويتر بعد دقائق من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة البرازيليّة، "معًا سنوحّد جهودنا لمواجهة التحدّيات الكثيرة المشتركة وتجديد أواصر الصداقة بين بلدينا".
وأغلقت الأحد عند الساعة 17:00 بالتوقيت المحلّي (20,00 ت غ) مراكز الاقتراع في البرازيل التي حبست أنفاسها بانتظار معرفة هويّة الفائز بالرئاسة بين بولسونارو ولولا.
وقد أدّى جدل إلى تعكير النهار الانتخابي الذي لم تتخلّله إشكالات كبرى.
فقد أمر رئيس المحكمة الانتخابيّة العليا ألكسندر دي مورايس برفع كلّ حواجز التفتيش التي أقامتها شرطة المرور الاتّحاديّة والتي "أخّرت وصول الناخبين" إلى مراكز الاقتراع.
وكان مسؤولون في حزب العمّال الذي يتزعّمه لولا قد نشروا على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات فيديو عدّة تُظهر حافلات تقلّ ناخبين متوقّفة خصوصًا في المناطق الريفيّة في شمال شرق البلاد حيث معقل الرئيس الأسبق (2003-2010)، واصفين ما جرى بأنّه "غير مقبول".
لكنّ مورايس أكّد في مؤتمر صحفي أنّه على الرغم من التأخير "لم تعُد أيّ حافلة أدراجها وجميع الناخبين تمكّنوا من الإدلاء بأصواتهم".
وكان كلّ من المرشحَين قد أبدى ثقته في الفوز لدى اقتراعهما الأحد في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسيّة التي دعي إليها 152 مليون ناخب وشهدت تنافسًا شديدًا.
وقال الرئيس اليميني المتطرّف المنتهية ولايته بُعيد فتح المكاتب الساعة الثامنة صباحًا (11 صباحًا بتوقيت غرينتش) في ريو دي جانيرو، "سنفوز الليلة".
وأضاف بولسونارو مرتديًا قميصًا أصفر وأخضر بألوان العلم الوطني، "البرازيل ستنتصر الليلة". ثم توجّه إلى مطار ريو دي جانيرو حيث استقبل فريق نادي فلامينغو لكرة القدم الذي فاز السبت في الإكوادور بكأس "كوبا ليبرتادوريس" التي توازي كأس الأبطال في أوروبا.
ووقف بولسونارو مع اللاعبين، رافعًا الكأس، ورسم بعض هؤلاء بإصبعه الرقم 22 الذي كان على الناخبين إدخاله في صناديق الاقتراع الإلكترونيّة للتصويت للرئيس المنتهية ولايته.
وسبق أن حاز بولسونارو تأييد نجم كرة القدم نيمار، ما أثار جدلا واسعا.
وتوجّه بولسونارو لاحقًا إلى العاصمة برازيليا لينتظر صدور نتائج الاقتراع في قصر الفورادا.
بدوره، صوّت لولا صباحًا في مكتب قرب ساو باولو، مؤكّدًا "ثقته (...) في انتصار الديموقراطيّة". وأعرب عن أمله في أنّ هذه الانتخابات "ستُعيد السلام بين البرازيليّين".
والبرازيل منقسمة وسط أجواء استقطاب شديد تخلّلتها كمّيات هائلة من المعلومات المضلّلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تبادل المرشّحان الشتائم أمام عشرات ملايين المشاهدين.
وفي بلد يسمح بالاقتراع اعتبارًا من 16 عامًا وحيث التصويت إلزاميّ اعتبارًا من 18 عامًا تحت طائلة غرامة رمزيّة، قال غابريال فاليريانو الذي أكمل لتوّه عامه السادس عشر "أن يكون المرء شابًا ويصوّت هو أمر بالغ الأهمّية" والسبب "أنّنا مستقبل أمّة".
وفي مكتب الاقتراع نفسه في برازيليا، اعتبرت كارولينا تافاريس (37 عاما) أنّ "من المهمّ التصويت في هذه الانتخابات المميّزة".
وتوقّعت استطلاعات الرأي منذ أشهر فوز لولا (77 عامًا) الذي حكم سابقًا لولايتَين بين 2003 و2010، إلا أنّ بولسونارو (67 عامًا) احتفظ ببعض الأمل إثر النتيجة غير المتوقّعة التي سجّلها في الدورة الأولى من الانتخابات في الثاني من تشرين الأوّل/ أكتوبر بحصوله على 43 % من الأصوات في مقابل 48 % لغريمه.
واستفاد بولسونارو الذي كانت استطلاعات الرأي تشير إلى تخلّفه أكثر من 10 نقاط مئويّة عن منافسه، من ديناميّة مؤيّدة له في المرحلة الفاصلة بين الدورتَين.
وقال براين وينتر رئيس تحرير "أميركاز كوارترلي" إنّ "المعركة محتدمة أكثر ممّا كان يتوقّع الجميع. ستكون انتخابات فيها كثير من الغموض".
ورأى روجيريو دولترا دوس سانتوس، من جامعة فلومينيسي الفدراليّة، أنّ "بولسونارو سيطعن بالنتيجة".
- تضليل -
يخشى كثيرون أن يتكرّر في البرازيل سيناريو الهجوم على مبنى الكابيتول إثر هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة وقد تُستهدف على سبيل المثال المحكمة العليا التي لطالما شنّ بولسونارو حملة كبيرة عليها.
ودعا ترامب البرازيليين إلى إعادة انتخاب بولسونارو "الرجل الرائع" وليس "لولو (كما سمّاه) من اليسار الراديكالي".
وأمل لولا بأن يتمتّع بولسونارو بـ"الحكمة" وبأن يتّصل به في حال فوزه "للاعتراف بالنتيجة".
إلا أن الحملة الانتخابية كانت بعيدة كل البعد عن "الحكمة". فقد كالَ بولسونارو الشتائم للولا، واصفًا إيّاه بأنّه "كذاب" و"سجين سابق" و"مدمن كحول" و"مصدر عار وطني"، وقد ردّ عليه الأخير مؤكّدًا أنّ منافسه "معتدٍ على أطفال" و"آكل لحوم بشر" و"مرتكب جرائم إبادة" و"ديكتاتور صغير".
وتبادل المرشّحان الاتّهامات بالكذب وقد غذّى بولسونارو، وبدرجة أقلّ لولا، آلة التضليل الإعلامي.
فقد نشرت وسائل التواصل الاجتماعي وهي مصدر المعلومات الوحيد لغالبية مستخدميها البرازيليين البالغ عددهم 170 مليونًا، كمّية غير مسبوقة من المعلومات الكاذبة.
وفي إطار هذه الحملة القذرة، أُهملت الهموم الفعليّة للشعب البرازيلي ولا سيّما التضخم والبطالة والفقر والجوع التي يُعانيها 33 مليون برازيلي.
وكان الرهان الرئيسي في الفترة الفاصلة بين الدورتين الانتخابيتين محاولة استقطاب 32 مليون شخص امتنعوا عن التصويت في الدورة الأولى (21 %).
ويؤكّد لولا أنّه يريد حماية الديمقراطيّة وجعل "البرازيل سعيدة" مجدّدًا بعد ولايتَين أخرج خلالهما قرابة 30 مليون برازيلي من براثن الفقر في ظلّ ازدهار اقتصادي.
أمّا بولسونارو الشعبوي فقال إنّه يُريد الدفاع عن "الخير في مواجهة الشرّ" وعن العائلة والله والوطن والحرّية الفرديّة.
أ ف ب