أوصلت بوصلة الطريق عائلة نسرين الحمود في عام 2007، إلى شقة في مبنى سكني في منطقة جبل اللويبدة، وللوهلة الأولى كان هذا البيت بداية طريق لهم، لكن ما لبثوا أن بدأوا يشتكون عيوبا خفية ظهرت لهم في الشقة.

نسرين الحمود، ناجية من انهيار مبنى سكني في منطقة اللويبدة، قالت إنه تقطن في منطقة جبل اللويبدة منذ 15 سنة في بيت مستأجر، مع زوجها وأطفالها الاثنين، مشيرة إلى أنها تبقى معظم الأحيان في المنزل لوحدها، بحكم عمل زوجها خارج الأردن.

"كثيرا من الأحيان نشتكي لمالك المنزل، عن وجود تصدعات على الجدران الخارجية للمبنى، إلا أنه كان يحضر عامل لتصليح هذه العيوب بدلا من إحضار مهندس أو مختص"، وفق الحمود، مشيرة إلى أن هذا العامل "لا يفقه بالإنشاءات أو الإنشاءات".

ويقول مختار جبل اللويبدة عمر الفاعوري، إن "المنطقة إحدى جبال عمّان السبعة القديمة، وهي تقريبا من أقدم المناطق في عمّان"، موضحا أن "الأعمال في المنطقة بدأت على أطراف الجبل في بيوت قديمة تصل تاريخ إنشاءها إلى عام 1915، ولا تزال موجودة حتى اليوم".

"بدأ الزحف العمراني على المناطق المرتفعة من جبل اللويبدة بعد عام 1920، فيما بدأت تظهر اللويبدة مكتملة في المباني في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الأبنية من الحجر والباطون والحديد".

قائد فريق البحث والإنقاذ الأردني الدولي المقدم أنس العبادي، قال إن "جغرافية المنطقة المحيطة بالمبنى كانت صعبة جدا وذات انحدار عالي، وأسهمت في صعوبة إدخال الآليات في المرحلة الأولى لعمليات الإنقاذ".

ولا تزال ذاكرة نسرين تحتفظ بكثير من الأحداث في هذا المكان رغم ما تعانيه من أوجاع جسدية ونفسية خلال الأيام الماضية، حيث روت لفريق "المملكة" تفاصيل بيتها السابق، ويومها الأخير بين جدرانه.

وأشارت الحمود، إلى أطلال حديقة منزلها في الطابق الأرضي من المبنى، قائلة "في هذا المكان، كان يوجد بوابة خشبية، نذهب منها إلى أدراج نحو الطابق الأرضي، وكان لدي حديقة كنت استظل تحت ظلال الياسمين لكنها ذهبت".

"بيتي كان في هذه المنطقة التي تقف عليها إحدى الآليات المخصصة لإزالة الأنقاض، وبجوارنا منزل لعائلة حامد عليان الذي توفي له أطفال وخرج مع طفليه من تحت الأنقاض، وفي الطابق الأعلى كان جارنا هاني رستم الذي بقي فترة طويلة تحت الركام، وفي الطابق الأخير كانت فيه عائلة عبير رشيد التي توفي أبنائها الثلاثة"، تروي الحمود.

وتروي أيضا: "في الصباح أرسلت أولادي إلى المدرسة ثم عدت إليهم في نهاية الدوام، وبدأت بإطعام الأولاد وجبة الغداء، ثم مراجعة دروسهم اليومية"، في وقت بدأ فيها عامل بصيانة منزل في إحدى شقق المبنى.

"أصوات أعمال الصيانة كانت مزعجة ولم نستطع إكمال مراجعة الدروس اليومية أو حتى النوم في وقت العصر"، وفق الحمود، مشيرة إلى أنها "اضطرت للتوجه إلى العامل والطلب منه يتوقفوا قليلا عن العمل في أوقات الدراسة من التركيز أكثر".

ووجهت الأم الناجية أسئلة للعامل عن هذه الأصوات، مشيرة إلى أنه أخبرها أنه يجري أعمال صيانة في غرفة الصالون لتحويل المطبخ إلى النظام الأميركي والمطبخ إلى غرفة نوم وتوسعة نافذة الحمام.

"لم يمض ثواني معدودات للعودة للمنزل، إلا أن بعض الأحجار بدأت في التساقط، وخطوت بسرعة لإخراج أولادي من المنزل"، تقول الحمود.

المختار الفاعوري، الذي يبعد مكتبه 5 دقائق سيرا على الأقدام عن موقع الحادثة، قال "لاحظت أصوات مركبات الإسعاف والدفاع المدني تعبر من الشارع المقابل (شارع ابن طفيل)، وتوجهت إلى المكان ووجدت فرق الإنقاذ والإسعاف في الموقع".

"فور وصولي، رأيت أحد قاطني المبنى يبحث عن زوجته وأولاده الاثنين، وآخرين يساعدون فرق الدفاع المدني ... كان الموقف مأساوي وصادم"، يضيف المختار.

الناجية الحمود، تقول: "الأرض انقسمت تحتي، وبدأ الأثاث يسقط أمامي والجدران تهتز وتضرب ببعضها، إلا أني بقيت مستيقظة وبدأت أنادي على أولادي (نيمار ونور) وأتواصل معهم حتى لا يخافوا من هول ما حدث، حتى بدأت في التواصل مع أفراد الدفاع المدني للتعرف على مكان تواجدنا".

وأضافت "دورة الإسعاف الأولية والإنقاذ التي تلقيتها ساعدتني كثيرا في هذا الموقف، وطلبت من أولادي الهدوء والتنفس ببطء لأنه الأوكسجين يقل في المكان، وحاولت استكشاف المكان وأبعد أكوام الركام من حولي بما أعطاني الله من قوة، وبدأت بالتنقل من غرفة إلى أخرى للبحث عن مخرج ولإبلاغ زوجي بوجودنا".

المختار الفاعوري: "زوج نشرين كان يقف في محيط المبنى وأخبرني أنه يقطن في الطابق الأرضي والطابق الثاني انهار بالكامل على الطابق الأول، ثم انهار المبنى بشكل تدريجي على المبنى المجاور".

وقال قائد فريق البحث والإنقاذ الأردني الدولي المقدم أنس العبادي، إن "هذه الأنواع من الحوادث توضع لها، خطط عمليات مسبقة، ولدينا خطط عمل محكمة للتعامل مع حوادث الانهيارات، وعند الوصول للمنطقة عملنا على تأشير المنطقة والتدخل فيها بشكل مباشر".

"ما يهمنا في حوادث الانهيار في المرحلة الأولى إخراج أكبر عدد من الأحياء، حيث جرى مسح سطحي لمحيط مبنى اللويبدة، وتحديد المحاصرين وإخلائهم، وطبقت الخطة بشكل محكم واستطاع الفريق تحرير 10 إصابات من الموقع أحياء".

الحمود، قالت إن "فرق الدفاع المدني وصلت وتواصلوا معي بخط مباشر عند وجودي تحت الأنقاض واطمأنوا عن صحتي وأولادي، وأرسلوا لنا أسطوانة أكسجين بسبب انقطاعه في المكان، ودخل أفراد من الدفاع المدني وبحوزتهم معدات متعددة للاستعمال وبدأوا بسحبي مع أولادي وتوجهوا بنا إلى مستشفى لوزميلا"

"أصبت بجروح ورضوض في جسمي ورأسي، ونيمار أصيب بجرح بسيط، إلا أن نور كان المتضرر الأكبر بيننا، حيث أصيب بتمزق أنسجة في قدمه، ووضعه مستقر"، وفق الحمود.

المقدم أنس العبادي، أكد أن "فرق الإنقاذ تتعامل مع حوادث الانهيارات على فرضية بأن جميع من هم تحت الأنقاض أحياء، وتتخذ الإجراءات لإخراجهم أحياء، لأن الأولوية الأولى هي إخراج المحاصر بأقل الخسائر".

الفاعوري، قال: "اللويبدة لم تشهد حدوث انهيار مبان من قبل بهذا الشكل، ولم نسمع عن ذلك من قبل".

ونجم عن انهيار البناية السكنية المكونة من عدة طوابق وفاة 14 شخصا وإصابة 9 آخرين.

ويقول المهندس محمد طبنجة، مالك مكتب مهندس "يتوجب تحديد المشكلة التي أدت لانهيار المبنى لتفادي المشكلة في مبان أخرى مستقبلا، وعلى اللجنة المعنية فحص أساسات الأبنية وتحديد درجة الباطون، بجمع عينات من القطاع الخرسانية".

"في مبنى اللويبدة من الصعب جمع عينات خرسانية لأنها تتكون من حجر وباطون فقط، وممكن جمعها من العقد لتحدد إن كان هناك حفريات في المنطقة كما يشاع أو لا، وتحديد الأمور التي سرعت من الانهيار أو تسريب مياه أسفل المبنى كأمور تهدد سلامته"، وفق طبنجة، الذي عرض عينات لتآكل الاسمنت في جدران مباني قديمة تنهار وتتآكل بسهولة عند احتكاكه بمسمار.

وأضاف "في العادة، يكون الاسمنت في المباني القديمة متآكل، والحديد يصدأ مع الزمن وقد يتفتت وينتفخ أحيانا مما يؤدي على الضغط على الخرسانة ويسرع من انهيار الأبنية.

المختار الفاعوري، قال إن في المنطقة مبان لا تزال قديمة وبنيت على الطريقة القديمة من الباطون والطوب ويمكن حصرها في منطقة اللويبدة وتحديد المشكلة فيها"، داعيا الجهات المختصة إلى معاينة هذه الأبنية بقصد المساعدة لا بقصد المخالفة وفرض رسوم وغرامات.

وقال قائد فريق البحث والإنقاذ الأردني الدولي المقدم أنس العبادي، إن "شعبة عمليات الدفاع المدني أحصت 6509 حوادث لانهيار أبنية وأتربة وجدران استنادية وآبار في العشر سنوات الأخيرة.

كاميرا "المملكة"، اكتشفت وجود عشرات الأبنية المهجورة، والآيلة للسقوط في منطقة جبل اللويبدة.

ويقف المهندس طبنجة، عند مبنى قدم جرى البحث عنه ضمن جولة للمباني الآيلة للسقوط، قائلا: "هذا المبنى عبارة عن (قنبلة موقوتة) ويجب التعامل معه بأسرع وقت ممكن قبل دخول فصل الشتاء"، مشيرا إلى أن "الحجارة المكونة للمبنى قابلة للتآكل والطوب متهالك، وتجعل المبنى آيلا للسقوط.

مختار جبل اللويبدة، يصف أحد المباني، "هذا مثال على أحد المباني الآيلة للسقوط أو بالفعل بدأت بالتآكل في شارع الخيام بجبل اللويبدة، وطريقة إنشاءه قديمة وهذا جدار عقدة واقعة وقابل للهدم في أي وقت، والمنطقة التي بني عليها خطرة".

وتضيف الحمود: "مهما فعلوا لن يعوض ذلك نفسيا أو جسديا، ولن يعوّض الخوف الذي عاشوه الأولاد في الظلمة في مكانهم المحصور".

"لن يعوضهم ذلك استرجاع ذكريات الأطفال الذي تربوا مع بعضهم البعض، ملك، أميرة، محمد ونجد الذي تربوا مع أولادي، والساحة أمامنا كانت تشهد أنهم كانوا يلعبوا هنا، واللحظات هي بذكرى طفل لا تقدر بثمن"، تختتم الحمود.

المملكة