اضطر أحمد خالد للعمل في تعبئة مياه شرب بالرغم من إنهائه دراسة المحاسبة في عام 2015 من الجامعة الهاشمية، الحكومية في الزرقاء.
خالد واحد من عشرات الآلاف من الشباب الأردنيين الذين درسوا، لسبب أو لآخر، تخصصات "مشبعة" أو "راكدة" في سوق العمل، إذ تواجه الحكومة والجامعات المحلية تحديات في توفير مخرجات تتماشى مع احتياجاته، والحد من ارتفاع البطالة.
"أعمل في محل تعبئة مياه شرب مقابل 70 دينارا أسبوعيا، يذهب ثلثها للمواصلات ... درست المحاسبة؛ لأن درجاتي التحصيلية في مادة الرياضيات كانت عالية في الثانوية العامة" يقول خالد لـ "المملكة".
"قدّمت أوراقي لديوان الخدمة المدنية فور تخرجي من الجامعة، وتقدمت للعمل في القطاع الخاص، لكني لم أوفق، وما زلت أبعث حتى الآن" يضيف خالد.
ويرى مختصون أن عدم مواءمة مخرجات التعليم العالي، وسوق العمل أسهما في رفع معدل البطالة في ربع العام الحالي الأول إلى 19%.
مدير مركز "الفينيق" للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، قال، إن "مخرجات الجامعات والمعاهد والكليات لا تتناسب مع حاجة سوق العمل والفجوة بينهما في اتساع الأمر الذي زاد معدل البطالة"، موضحا أن سوق العمل غير قادر على تشغيل الخريجين وقدرته على التشغيل تتناقص كل عام مقابل ارتفاع أعداد الخريجين بشكل مطرد؛ مما يجعل الحصول على وظيفة أمرا صعبا.
"الجامعات والمعاهد والكليات تخرّج سنويا نحو 120 ألفا، في حين أن سوق العمل يستوعب سنويا نحو 50 ألف وظيفة"، أضاف عوض، مشيرا إلى توسع التعليم الجامعي على حساب التعليم المتوسط، التقني والمهني.
عوض دعا الحكومة إلى إيجاد خطط تحفّز نمو اقتصاد الأردن، والتعامل مع طبيعة الخريجين بطريقة هيكلية جديدة، لخفض معدلات البطالة المرتفعة، إضافة إلى إحلال عمالة محلية مكان العمالة المهاجرة من خلال تخريج شباب يعملون في قطاعات مهنية وتقنية، ودراسة حاجة السوق من وظائف مطلوبة، وإرشاد الجامعات إلى توفيرها.
معدل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية بلغ 24.4% خلال الربع الأول من العام الحالي دائرة الإحصاءات العامة
ويبدأ الأحد، الطلاب الحاصلون على معدّل 65% فأكثر في امتحان الثانوية العامة بتقديم طلبات الالتحاق الإلكترونية في الجامعات الأردنية الرسمية، وحتى الأربعاء 31 تموز/ يوليو الحالي.
نسبة النجاح في امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" بلغت 58.3%، وبعدد ناجحين بلغ 77124 طالبا، من أصل 195134 طالبا، والذي شهد حصول الطالب الأول على المملكة على معدل 100%.
وأظهرت وثيقة أولويات عمل الحكومة، تراجع معدلات النمو الاقتصادي الأردني وقدرة الاقتصاد على استحداث فرص عمل جديدة، ومن ثم ارتفاع معدلات البطالة.
وتسعى الحكومة في أولويات عملها إلى تطوير منظومة التعليم من خلال مراجعة تخصصات راكدة، وخفض نسب المقبولين فيها إلى 50%، وإعادة هيكلة وتأهيل كليات جامعية متوسطة، إضافة إلى تطوير التعليم التقني في كليات المجتمع، من خلال العمل على رفع نسبة الالتحاق بالتعليم المهني الثانوي من 15% إلى 18% مع نهاية 2020، وببرنامج الدبلوم التقني بنسبة 5% سنويا.
الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشـرية 2016/2025، أشارت إلى تراجع ملحوظ في قطاع التعليم في السنوات الأخيرة، لافتة النظر إلى عدم وجود برامج تعليم وتدريب مهني وتقني ذات جودة عالية على مستوى التعليم العالي، إضافة إلى نقص أعداد حرفيين وفنيين مؤهلين لإشغال وظائف، ووجود فائض في أعداد المهندسين وخريجي تخصصات علمية.
وزارة التعليم العالي، قالت في عام 2016، إن أعداد الطلبة الملتحقين في الجامعات ازدادت بنسبة 43% خلال 10 سنوات، متوقّعة أن يتزايد إلى نحو 450 ألف طالب بحلول 2025؛ بسبب زيادة النمو السكاني البالغة 2.3%.
تخصصات راكدة ومشبعة
ديوان الخدمة المدنية في دراسة العرض والطلب على تخصصات علمية مطلوبة راكدة ومشبعة، أوضح أن المحاسبة وغيرها من تخصصات مثل الإسعاف، الجغرافيا، هندسة الطيران، مشبعة في سوق العمل، في حين أن الرياضيات والهندسة النووية وطب الأسنان والفيزياء مطلوبة في سوق العمل الأردني في الوقت الحالي.
عدد طلبات التوظيف التراكمي في قاعدة بيانات الديوان، بلغ 388889 طلبا توظيفيا للعام الحالي، و36072 طلبا جديدا، فيما بلغ عدد التعيينات 8013، وبنسبة 3% من إجمالي الطلبات الكلية ديوان الخدمة المدنية
الناطق الإعلامي باسم ديوان الخدمة المدنية، خالد غرايبة قال، إن الدراسة تهدف إلى "إرشاد وتوجيه الطلبة على مقاعد الدراسة وراسمي سياسات تعليمية وصانعي القرار نحو تخصصات يحتاجها سوق العمل المحلي".
وأشار إلى أن الدراسة أظهرت في جانب منها، أن التخصصات الراكدة بين الجامعيين، تتنوع بين صيدلية، مختبرات وتحاليل طبية، طب بيطري، تقنيات حيوية، الأطراف الصناعية، هندسة القوى، هندسة البترول، علوم مالية ومصرفية، نظم معلومات إدارية، آثار/ مكتبات، علوم طيران، صحافة وإعلام.
وزير العمل نضال البطاينة، حذّر الجمعة، طلبة الثانوية العامة الناجحين من اختيار تخصصات "راكدة ومشبعة"، ودعاهم إلى التوجه إلى تخصصات "مهنية وتقنية بدلاً من الأكاديمية".
تطوير مهارات خريجين
علي أحمد، مالك شركة متخصصة في الدفع الإلكتروني، قال، إن "الشركة تمتنع أحيانا عن تشغيل خريجين جدد لافتقارهم المهارات المطلوبة"، موضحا أن "ما يطبق على مقاعد الدراسة يختلف كليا عن طبيعة العمل في الواقع".
الأمين العام الأسبق لوزارة العمل حمادة أبو نجمة: قال "لا يوجد هناك أي محاولة لأن تنسجم مخرجات المنظومة التعليمية مع حاجة سوق العمل، ولا يوجد سياسة حقيقية مبنية على احتياجات السوق"، موضحا أن "سياسة المنظومة التعليمية ترتكز على حاجة الأطراف المعنية مثل الطلاب والجامعات نفسها وتوجهاتها، وليس توجهات سوق العمل".
وقدّم أبو نجمة مؤشرات على عدم انسجام مخرجات المنظومة التعليمية مع حاجة سوق العمل، منها "أن 80% من الإناث المتعطلات عن العمل جامعيات يحملن تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل، إضافة إلى عدم وجود ترابط بين سياسات مجلس التعليم العالي، ومجلس التربية والتعليم، ومجلس التشغيل والتدريب".
تخصصات مطلوبة
وأطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، موقع "اختر تخصصك"، لمساعدة طلبة الثانوية العامة الناجحين في اختيار تخصصهم بما يتواءم مع حاجة سوق العمل.
مهند الخطيب، الناطق باسم وزارة التعليم العالي، قال، إن الموقع أطلق بالتعاون مع وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها؛ بهدف تعريف الطالب الأردني بتخصصات مطلوبة في سوق العمل، والعمل على تقليل توجّهه إلى تخصصات راكدة ومشبعة ويبعده عن التأثيرات الاجتماعية.
"ديوان الخدمة اقترح استحداث تخصصات مطلوبة في سوق العمل، مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتسويق الرقمي، وقياس تشخيص التوحد"، أضاف غرايبة، داعيا إلى "شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص لاستيعاب الأعداد الجديدة من الخريجين، وإلى تشجيع طلبة الثانوية العامة الناجحين نحو مهن وأعمال يحتاجها سوق العمل".
المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، أشار في بيانات سوق العمل المحلي، إلى وجود فرص بديلة عن العمل في الجهاز الحكومي وتوفر فرص عمل موزعة على قطاعات: السياحة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الإنشاءات، الحلي والمجوهرات، الصناعات الدوائية.
دراسة أطلقتها الجامعة الأردنية حول مدى مواءمة مخرجات التعليم العالي وسوق العمل، أوصت برفع معدلات القبول في الجامعات إلى 70%، بحيث يذهب طلبة الثانوية العامة الحاصلون على معدل 60% فيما دون إلى التعليم المهني، ومن يحصل 70% فما دون إلى التعليم التقني، والباقي إلى الأكاديمي.
يبلغ عدد الطلبة الملتحقين ببرنامج البكالوريوس 285.71 ألفا، مقابل 25.383 ألف طالب في برامج الدراسات العليا، و21.8 ألفا في كليات المجتمع في عام 2018، وبمجموع 342 ألف طالب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
رئيس جامعة البلقاء التطبيقية عبدالله الزعبي، قال لـ "المملكة" إن "الجامعة غير معنية بالتوظيف، وإنما مزودة للمعرفة في كافة المجالات والاختصاصات، مشيرا إلى أن الجامعة نقلت نماذج وبرامج عالمية ووطنتها في كلياتها في تخصص مهن المستقبل، مثل هندسة أنظمة ذكية، هندسة أبنية ذكية، والروبوتات، إضافة إلى إنشاء كلية للذكاء الاصطناعي، الأولى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بتخصصات جديدة مثل الواقع الافتراضي".
"بعد دراسة احتياجات سوق العمل مع النقابات وغرف الصناعة والتجارة، بالتعاون مع ديوان الخدمة المدنية والمركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، ووزارة العمل، أوقفت الجامعة وجمدت القبول في 100 تخصص لا يحتاجه سوق العمل حاليا ولا مستقبلا على مستوى الدرجة الجامعية المتوسطة"، أضاف الزعبي، مشيرا إلى تجميد القبول في تخصصات بكالوريوس لبعض الكليات".
حمادة أبونجمة، أشار إلى أن التخريج في تخصصات غير مطلوبة لا يزال قائما، مثل تخصصات طب الأسنان والصيدلة، موضحا أن هناك تغيرات حصلت على تخصصات منها ما اندثر مثل وظيفة ساعي البريد، وقريبا جباة فواتير الكهرباء والمياه، داعيا إلى الاستفادة من دراسات أطلقتها وزارة العمل حددت من خلالها احتياجات السوق من التخصصات حاليا ومستقبليا.
وحلّ الأردن العام الماضي في المرتبة 47 عالميا في سهولة إيجاد وتوظيف أيدٍ عاملة ماهرة وموظفين مؤهلين، والمرتبة 61 من حيث حزمة معارف ومهارات يحصل عليها الطلاب بمجرد تخرجهم من الجامعة، والمرتبة 69 من حيث جودة التعليم المهني، و91 في مؤشر كفاءة سوق العمل، وفق مؤشر التنافسية العالمي، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
وأطلقت الحكومة برنامج "خدمة وطن" لتدريب وتأهيل الشباب مهنيا حسب متطلبات سوق العمل؛ لرفد سوق العمل بـ 20 ألف أردني وأردنية مؤهلين، كما تسعى إلى توفير 60 ألف فرصة عمل إضافية للأردنيين مع نهاية العام 2020.
نائب ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في الأردن، إيتي هيغنز، قال إن برامج بناء مهارات الشباب في الأردن، "يجب أن تتوافق مع متطلبات سوق العمل ... وشاملة لتكون ذات صلة بالاقتصادات المختلفة وأن تدعم اكتساب مهارات عبر التعلم مع إمكانية وصول الشباب الأكثر ضعفا إليها".
ودعا في مقالة نشرتها صحيفة الجوردان تايمز الناطقة بالإنجليزية، إلى "مشاركة القطاع الخاص بشكل أكبر خاصة في تصميم برامج المهارات، لضمان ملاءمة المهارات المقدمة ونتائج التوظيف الإيجابية... هناك حاجة إلى شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير حزم مهارات قائمة على الطلب تستجيب لواقع سوق العمل".
يركز برنامج إشراك الشباب، وفقا للمسؤول، "على مهارات في 4 مجالات رئيسية: مهارات قابلة لتحويل مرتبطة بالاقتصاد الحالي والمستقبلي، وتشمل مهارات حياتية، مثل التواصل والوعي عن الذات وحل المشكلات والقيادة والتفكير الإبداعي ... ومهارات التعلم التجريبية التي تعزز الابتكار الاجتماعي... إضافة إلى "مهارات الاستعداد للوظائف التي تدعم الشباب في بحثهم عن العمل، وتشمل التوجيه المهني والمشورة. وأخيرًا، مهارات تقنية ومهنية تشمل تدريبًا نظريا وعمليا".
المملكة