حبس المخرج اليمني عمرو جمال أنفاسه ليلة العرض الأول لفيلمه الأول في مسرح مؤقت في عدن، خوفا من عدم حضور أي شخص، لكن ليلة بعد ليلة صارت الصالة تمتلئ بسكان المدينة.
ففي هذا البلد الذي تمزّقه الحرب، لا يُتصوّر أن يتوافد الناس بكثافة على صالات العرض، لكن فيلم "عشرة أيام قبل الزفّة" الذي أخرجه عمرو جمال، وهو واحد من الأفلام اليمنيّة القليلة في السنوات الماضية، جعل الكثيرين من سكان عدن يُقبلون عليه، مصطحبين أطفالهم وأصدقاءهم وجيرانهم.
تدور قصة الفيلم حول رشا ومأمون اللذين أجّلا موعد زفافهما العام 2015 مع بدء تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري لوقف تقدّم المتمرّدين الحوثيين الذين سيطروا على صنعاء في سبتمبر 2014.
ويحاول مأمون ورشا مرة أخرى الزواج بعد هدوء الحال في عدن، العاصمة الموقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لكنهما يواجهان صعوبات ما بعد الحرب من بينها الفقر والاغتيالات والاشتباكات المتقطعة.
ويقول المخرج لوكالة فرانس برس "كنا متخوفين من عدم قدوم الجمهور (...) قلنا من المستحيل أن يكون الحضور كثيفا لأن الناس خائفون".
وأضاف "لكن ما حصل كان غير متوقع".
حرب موازية
ويرى المخرج أن "هناك حرباً موازية دائما بعد انقضاء الحرب بشكلها الرسمي" موضحا أن فيلمه الذي حقق نجاحا كبيرا في أوساط السكان في عدن يتحدث عن "ظلال هذه الحروب وتبعاتها (...) طموح الشباب وأحلامهم كيف تُدمّر أمام هذه التبعات في كل بلدان النزاع حتى هذا اليوم في الوطن العربي".
ولاقى الفيلم الذي يحاكي مشاعر الكثير من اليمنيين نجاحا في محافظة عدن.
ويقول علي اليافعي الذي حضر أحد العروض لوكالة فرانس برس "الفيلم كان رائعا. تجربة جميلة جدا في عدن. لقد تحدّث عن واقع عدن، عن هموم الناس، عن الحروب التي مرت بهذه المدينة التي تعاني وتستحق الالتفات لها".
ورأى محمد أنور الذي أتى لصالة العرض مع طفلته الرضيعة أن الفيلم "لا يوصف"، وأنه "يصوّر الواقع".
ومع أن الفيلم حقق نجاحا محليا، لكن مُخرجه عانى للحصول على تمويل "متواضع"، وقد صُوّرت مشاهده في اليمن بميزانية قدرها 33 ألف دولار.
ولم يعثر الفريق على أي صالة لعرض الفيلم، كون صالات السينما المحلية أغلقت أبوابها بسبب الخراب أو نقص المال.
ولذا، قام الفريق بتحويل صالة أفراح محلية إلى مسرح لعرض الفيلم، وقاموا بترتيب الكراسي في صفوف ونصبوا شاشة واسعة.
وواجه فريق العمل صعوبات يومية في اليمن مثل انقطاع الكهرباء أو قطع شبكات الهواتف النقالة.
ويشرح المخرج "كنا نضطر إلى التوجه إلى بيوت الممثلين، وبيوتهم في أماكن مترامية الأطراف، لإبلاغهم بتغييرات في الجدول أو موقع التصوير".
ويقول إن الفضل في إنتاج الفيلم يعود إلى الشعب اليمني. مؤكدا أن العديد من الناس ساعدوا طاقم العمل وقدموا لهم المياه وشجّعوهم وتعاونوا معهم للتصوير في منازلهم ومتاجرهم.
فكرة مجنونة
ويعترف جمال أن فكرة صنع فيلم في اليمن وسط الحرب، كانت "مجنونة".
ولكنه يرى أن ذلك "أضفى للعمل قيمة أكبر؛ لأنه أصبح يمثل روحا للتحدي" حتى للجمهور "الذي شعر أن الفيلم يمثّله".
لطالما سعى صانعو الأفلام اليمنيون إلى تمثيل بلادهم وشعبهم على الشاشة الفضية لعقود.
وبعد توحيد الشطرين الجنوبي والشمالي عام 1990، خسرت اليمن تدريجيا صالات السينما بسبب الإهمال والفقر والحرب، وحتى الفتاوى الدينية.
ولكن المخرجين اليمنيين لم يستسلموا، وظلّ البلد ينتج عددا صغيرا من الأفلام عرضت في السنوات الماضية.
ورُشّح فيلم "ليس للكرامة جدران" للمخرجة اليمنية سارة إسحق لجوائز الأوسكار في فئة أفضل فيلم وثائقي قصير، ويحكي الفيلم قصة خروج تظاهرة غير مسلّحة في شوارع العاصمة صنعاء ووجهت برصاص القناصة.
والتظاهرة التي خرجت في 18 مارس 2011 في العاصمة اليمنية أصبحت واحدة من أكثر الأيام دموية في تاريخ البلاد.
وأخرجت اليمنية خديجة السلامي فيلم "أنا نجود، ابنة العاشرة ومطلقة" العام 2014. ويروي قصة الطفلة نجود محمد علي، أول طفلة يمنية تحصل على الطلاق متحدّية والديها، بعدما زُوّجت قسراً.
المملكة + أ ف ب