أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس فجر الجمعة، أنّ الانتخابات التشريعية التي كان مقرّراً إجراؤها الشهر المقبل أرجئت لحين "ضمان" إجرائها في القدس الشرقية، مؤكّداً أنّ اسرائيل ما زالت ترفض السماح للمقدسيين بالمشاركة الكاملة في هذا الاستحقاق، الأول من نوعه منذ 15 عاماً.
وقال عبّاس في ختام اجتماع للقيادة الفلسطينية عقد برئاسته في رام الله بالضفة الغربية المحتلّة "قرّرنا تأجيل موعد إجراء الانتخابات التشريعية إلى حين ضمان مشاركة القدس وأهلها في هذه الانتخابات، فلا تنازل عن القدس ولا تنازل عن حقّ شعبنا في القدس في ممارسة حقّه الديمقراطي".
وكان عبّاس قال في مستهل الاجتماع إنّه "إذا جاءت إسرائيل ووافقت بعد أسبوع، نعمل الانتخابات في القدس مثلما فعلنا عام 2006"، مؤكّداً أنّه "إلى الآن لا موافقة إطلاقاً" من إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية.
وأضاف "نحن لا نتلكّأ، إذا قالوا (الإسرائيليون) نعم، من الغد نذهب للانتخابات. الانتخابات بالنسبة لنا ليست تكتيكاً بل هي تثبيت للديمقراطية وحقّنا في فلسطين".
وأوضح أنّه "قبل أيام أبلغونا" بعدم السماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، وتلا نصّ رسالة إسرائيلية تقول "نأسف يا جيراننا الأعزّاء أنّنا لا نستطيع أن نعطيكم جواباً بشأن القدس، السبب ليس لدينا حكومة لتقرّر".
وما أن صدر قرار القيادة الفلسطينية حتى أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في بيان "إيقاف العملية الانتخابية ابتداءً من صباح الجمعة، حيث كان من المقرّر نشر الكشف النهائي للقوائم والمرشّحين، بالتزامن مع أول أيام الدعاية الانتخابية للقوائم المترشحة للانتخابات التشريعية".
"قيادة هزيلة"
وكان القيادي في حركة حماس حمّاد الرقب قال لقناة "الأقصى" التلفزيونية إنّ "الشعب الفلسطيني العظيم لديه للأسف قيادة هزيلة، لا تمثّله ولا تعكس قوته وعظمته، عبّاس غير معني بالانتخابات الفلسطينية".
وكان عبّاس أصدر مرسوماً دعا فيه إلى إجراء انتخابات تشريعية في 22 أيار/مايو ورئاسية في 31 تمّوز/يوليو، في استحقاق كان سيكون الأول من نوعه منذ خمسة عشر عاماً.
وتم تحديد هذين الموعدين في إطار اتفاق مصالحة بين حركة فتح التي يقودها عبّاس وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
ويواجه عباس تحدّيات من قياديين مفصولين من حركة فتح هما ناصر القدوة، ابن شقيق الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومحمد دحلان. وكلاهما شكّل قائمة لخوض الانتخابات.
ويخوض تيار محمد دحلان، أحد أبرز معارضي عباس داخل حركة فتح والذي يعيش في الإمارات، الانتخابات تحت شعار "المستقبل"، بينما أطلق ناصر القدوة، القيادي في فتح وابن شقيقة عرفات، قائمة "الحرية" التي يدعمها الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي.
وتتزايد الشكوك منذ أسابيع حول احتمال الإعلان عن تأجيل الانتخابات.
وقال مرشّح لائحة "المستقبل" داود أبو لبدة لفرانس برس الأربعاء إنّ تأجيل الانتخابات "غير مقبول".
تظاهرات
وأضاف "إذا أرجأ عباس الانتخابات، فسنبدأ بالتظاهرات، ونعقد لقاءات مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني".
ووفق لجنة الانتخابات المركزية، ترشّحت 36 قائمة لخوض الانتخابات التشريعية، من بينها قائمة حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ نحو 15 عشر عاماً.
ويُتّهم عباس من خصومه بالتذرّع بمسألة تصويت الفلسطينيين في القدس الشرقية لتأجيل الانتخابات، معتبرين أنّه يريد إرجاءها لأنه قد يتعرّض لهزيمة لا سيّما بسبب الانقسامات الداخلية العميقة داخل حركة فتح.
وقالت نادية حرحش المرشحة في قائمة "معاً نستطيع" التي يدعمها رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، إن عبّاس "يستخدم القدس ذريعة".
وفي رام الله، حيث اعتادت السلطة الفلسطينية على تنظيم تظاهرات موالية لها أكثر من التصدّي لتظاهرات معارضة لها، خرج مئات الأشخاص إلى الشوارع فجر الجمعة للتنديد بقرار تأجيل الانتخابات، بحسب ما أفاد صحافي في فرانس برس.
وقال أحد المتظاهرين ويدعى طارق الخضيري (25 عاماً) "بصفتنا شبّاناً فلسطينيين، فإنّ جيلاً كاملاً منّا لا يعرف ماذا تعني الانتخابات (...) لهذا الجيل الجديد الحقّ في أن يختار قادته وأن يشارك في عملية صنع القرار".
وأضاف في رسالة مباشرة إلى الرئيس عباس (85 عاماً) "حان الوقت ليقرّر الشباب".
وكانت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية أكّدت مؤخراً أنّ بإمكانها استحداث مراكز اقتراع في بلدات فلسطينية قريبة من القدس الشرقية في الضفة الغربية المحتلّة.
لكنّ عبّاس رفض مساء الخميس هذا الخيار، مشدّداً على ضرورة إجراء الانتخابات في القدس الشرقية ترشيحاً واقتراعاً، وكذلك أيضاً على ضرورة تمكين المرشّحين من إجراء حملاتهم الانتخابية في المدينة المقدسة، وهو أمر لا تسمح به الدولة العبرية.
وكانت حماس أعلنت الأربعاء رفضها "فكرة تأجيل الانتخابات، أو إلغائها"، مشدّدة على أنّها "تؤكّد أنّها ليست جزءاً من التأجيل أو الإلغاء، ولن تمنح له الغطاء".
وحمّلت حماس "الاحتلال المسؤولية عن قرار التأجيل، فهو المسؤول الأول والأخير عن حرمان شعبنا من حقوقه".
وحصل الانقسام بين حركتي فتح وحماس بعد انتخابات 2006، إثر توترات واشتباكات بينهما انتهت بتفرد حركة حماس بالسيطرة على غزة وطرد حركة فتح منها في 2007.
وتحاصر القوات الإسرائيلية قطاع غزة منذ ذلك الحين.
واحتلّت اسرائيل القدس الشرقية عام 1967، ثم ضمتها الى أراضيها في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي. ولا تسمح للسلطة الفلسطينية إجمالا بالقيام بأنشطة فيها.
ووفق بروتوكولات أوسلو، يُسمح لسكان مدينة القدس الشرقية بالانتخاب في مقرّات البريد في المدينة التي تشرف عليها إسرائيل.
"قضية فلسطينية داخلية"
وقال المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألون بار خلال اجتماع مع دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي الثلاثاء، إنّ الانتخابات "قضية فلسطينية داخلية، وليست لدى إسرائيل نية للتدخل فيها أو منعها"، من دون إعطاء أي إيضاح بشأن القدس الشرقية.
ويفترض أن تبدأ الحملة الانتخابية في نهاية الأسبوع.
وأجريت انتخابات 1996 وانتخابات 2006 وفق نظام الترشيح المختلط، أي ضمن نظام القوائم ونظام الدوائر الجغرافية والترشيح الفردي فيها.
وأصرّ الرئيس الراحل ياسر عرفات في الانتخابات الأولى التي أجريت في الأراضي الفلسطينية على تمثيل الدوائر حتى تتمثّل دائرة مدينة القدس الشرقية.
لكنّ الانتخابات المقبلة ستعتمد نظام القوائم مع استبعاد نظام الدوائر.
وأظهر استطلاع نشره هذا الأسبوع مركز "القدس للإعلام والاتصال" وأُجري بالشراكة مع مؤسسة "فريدريتش إيبرت" الألمانية، أن 79% من الفلسطينيين يعتبرون إجراء هذه الانتخابات أمراً مهمّاً.
أ ف ب