الجزء 1
فقدت حنين، 28 عاماً، السمع في أذنها اليمنى بسبب إصابتها بـ "رصاصة طائشة" اخترقت زجاج سيارتها وأصابت رأسها.
"كنت أقود سيارتي قبل عدة أعوام حين شعرت بشيء يخترق الزجاج ويصيب رأسي، ما أفقدني الوعي وتسبب لي بحادث سير (...)، وعندما أفقت في المستشفى شعرت بألم شديد في منطقة الأذن قبل أن يتبين فقداني السمع في أذني اليمنى بالإضافة لحدوث تشوه فيها"، تقول حنين.
حنين كانت طالبة جامعية عند إصابتها، واضطرت لتغطية إصابتها لفترة طويلة بالرغم من عمليات التجميل التي خضعت لها، ما عرضها لإحراج في العديد من المواقف.
"حتى الآن لم تحدد هوية مطلق الرصاصة"، تضيف حنين.
الأربعيني عبد الفتاح صبحي ضحية أخرى.
في أحد الأيام كان صبحي، وهو أب لـ 3 أولاد، يسير في شارع في منطقة ماركا قبل أن يشعر بجسم يخترق صدره ويتسبب له بألم شديد ونزيف، قبل أن يفقد الوعي.
صبحي أجرى العديد من العمليات، وكان الحل بحسب من أشرف على علاجه أن تبقى الرصاصة داخل صدره حتى اليوم.
"قيل لي إن إزالة الرصاصة قد يؤدي إلى فقدان حياتي بسبب موقع الرصاصة القريب من شرايين دموية تغذي القلب" يقول صبحي، مضيفا أنه حاول معرفة مطلق الرصاصة "لكن دون جدوى".
"الحمد لله أن الرصاصة لم تؤد إلى موتي، ولكنها أثرت على تنفسي ورئتي بشكل دائم"، يتابع صبحي، "يجب إنهاء ظاهرة إطلاق الرصاص في الهواء".
وظلّت الكثير من الحالات من دون ضبط فيما تستمر السلطات في التحقق في بلاغات إطلاق العيارات النارية في الأفراح والمناسبات، وطبيعة هذه القضايا قبل تحويلها إلى القضاء.
"يقوم كثير من مطلقي الرصاص بالفرار بعد إطلاقهم النار، بينما يتستر الناس على آخرين"، وفق المسؤول الأمني، الذي يبين أن "الأرقام الفعلية للحالات أعلى بكثير مما ينشر".
ويرى مختصون أن المشكلة تحولت إلى "ظاهرة اجتماعية متزايدة بشدة" بسبب "الثقافة السائدة وضعف الرادع القانوني".
"هذه الظاهرة تبدأ عند الشباب، من استعمال سلاح صوت إلى استعمال الرصاص الحي طمعاً بالتفاخر، حيث لا يوجد أي حاجة لاقتناء السلاح كون الأردن آمن وجهازه الأمني قوي"، تقول المحامية نور الحديد، التي تحمل شهادة عليا في علم الجريمة.
"أصبحت هذه الظاهرة أسلوب حياة عند بعض الناس، وبالأخص بين أعمار 19-29 عاماً بسبب طيش بعض الشباب"، بحسب الحديد.
القانون غير رادع ولا يوجد نص واضح للعقوبة، حيث من الممكن أن تتحول التهمة من إطلاق العيارات النارية إلى إيذاء غير مقصود، ولا عقوبة إلا بالنص ولا يوجد نص يعاقب مطلق النار بدون داع بشكل واضح المحامية المختصة في علم الجريمة، نور الحديد
"في أحد الأعراس، أدت رصاصات طائشة إلى إصابة طفل وتم تحويل مطلقي النار إلى محكمة الصلح والجزاء، ولكن بعد وفاته حولت القضية إلى محكمة الجنايات الكبرى، لكن لم يثبت مسؤولية شخص محدد مما أدى إلى إعادة القضية إلى محكمة الصلح والجزاء واتهام مطلقي النار بإقلاق الراحة العامة واستخدام سلاح من دون رخصة"، وفقاً للحديد.
وتنص المادة 330 مكررة من التعديل الأخير في 2017 في قانون العقوبات الأردني: "يعاقب بالحبس مدة 3 أشهر أو بغرامة مقدارها ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من أطلق عياراً نارياً دون داع أو سهماً نارياً أو استعمل مادة مفرقعة دون موافقة مسبقة، ويصادر ما تم استخدامه من سلاح، ولو كان مرخصاً وأي سهم ناري ومادة مفرقعة".
المادة نفسها غلظت العقوبة ضد من يتسبب بأذى جسدي لآخرين جراء إطلاق عيارات نارية.
"الحبس مدة لا تقل عن سنة إذا نجم عن الفعل إيذاء إنسان؛ الأشغال المؤقتة إذا نجم عن الفعل أي عاهة دائمة أو إجهاض امرأة حامل؛ الأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن 10 سنوات إذا نجم عن الفعل وفاة إنسان". ويضاعف القانون العقوبة في حال التكرار أو تعدد المجني عليهم.
ويعتبر مقتنو الأسلحة أن كثافة العيارات النارية في المناسبات "مقياس للمكانة الاجتماعية لصاحب المناسبة، فكلما زادت كثافة النيران دلّت على مكانة رفيعة لصاحب المناسبة".
"لا يقتصر إطلاق الرصاص على أصحاب المناسبة فقط، بل إن المدعوين أيضاً يشاركون في ذلك على اعتباره وسيلة للتعبير عن مشاركتهم في فرح مضيفهم"، يقول محمد، أحد مقتني الأسلحة.
بصراحة، نتجه في بعض الأحيان إلى المنافسة والمكايدة في كثافة إطلاق النار مع من لدينا خلافات معهم، أو الطرف الآخر في حالة المصالحة أو الجاهة محمد، أحد مقتني الأسلحة
ويجيز قانون الأسلحة والذخائر رقم 34 لسنة 1952، اقتناء مسدسات وبنادق صيد فقط، ولا يمنح هذا الترخيص لمن حُكم عليه بجناية، أو من هم تحت 21 سنة من العمر.
أما الأسلحة الأتوماتيكية والرشاشة، فلا يسمح بترخيصها إلا بموافقة شخصية من وزير الداخلية وضمن شروط محددة، في حين تتولى مديرية الأمن العام ترخيص الأسلحة الأخرى.
ويشترط القانون حصول الشخص الذي يرغب في اقتناء السلاح على ترخيص مسبق من وزير الداخلية أو من ينوبه، وذلك قبل شراء السلاح من التاجر الملزم بتسجيل رقم الرخصة واسم المشتري في سجلاته.
في أغسطس، 2015، تحدث جلالة الملك عبد الله الثاني أثناء لقائه وجهاء العاصمة عمّان عن ظاهرة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، بعد وفاة طفل برصاصة في وجهه انطلقت من مسدس كان يعبث به أحد الأشخاص في حفلة زفاف شمالي الأردن.
وقال الملك: "هناك جدية في التعامل مع هذا الموضوع، ولن يكون هناك واسطات أبداً بعد اليوم، فليس هناك من يعتقد أنه ابن فلان أو أن لديه منصب".
وشدد: "سنتخذ الإجراءات حتى لو كان ابني هو من يطلق العيارات النارية في المناسبات، سأطلب من الأجهزة الأمنية أن تتخذ معه الإجراءات نفسها بهذا الخصوص".
"شاهدت قبل أيام فيديو وفاة طفل نتيجة إطلاق العيارات النارية في المناسبات، وهذا حرام. من اليوم، سنتخذ كل الإجراءات بحق كل من يستخدم السلاح في المناسبات والاحتفالات، ولن نسمح أن يموت طفل آخر نتيجة لذلك" أضاف الملك.
"على الأجهزة الأمنية في مختلف المحافظات الاهتمام بهذا الموضوع، الذي هو خط أحمر بالنسبة لي".
المملكة