تحل الأربعاء الذكرى 71 لنكبة فلسطين، التي شردت في عام 1948 نحو 800 ألف فلسطيني، في وقت يترقب فيه العالم ما يسمى بـ "صفقة القرن"، وهي خطة سلام أميركية يراها مختصون خطراً يهدد القضية الفلسطينية، وحق عودة اللاجئين.
سيطر الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، بعد أن دمر 531 بالكامل، وأخضع ما تبقى لقوانينه، مرتكبا نحو 70 مجزرة استشهد فيها أكثر من 15 ألف فلسطيني.
وشرد الاحتلال نحو 800 ألف لاجئ إلى دول عربية ونازح من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يعيشون في فلسطين.
يشكل فلسطينيو 1948 الذين بقوا على أرضهم بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 نحو خمس السكان، وتقول جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل: "يعيش اليوم ما يقارب 250 ألف مهجر داخل إسرائيل في القرى والمدن العربية التي استضافتهم منذ عام 1948.
في عام 1993، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو، الذي حدد قضايا الوضع النهائي للتفاوض حولها، ومن ضمنها قضية اللاجئين، إذ لايزال الفلسطينيون متمسكون بحق العودة، الذي ترفضه إسرائيل حماية لوجودها.
في آذار/مارس 2018، أطلق الفلسطينيون في غزة "مسيرات العودة الكبرى" للتأكيد على حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم، ليُصبح السياج الحدودي الفاصل مع القطاع ساحة لصدامات أسبوعية، استشهد خلالها أكثر من 300 فلسطيني.
"صفقة القرن"
تستعد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتقديم خطتها، التي عمل عليها مستشاره للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، وصهر ترامب، جاريد كوشنر، وسفير واشنطن في إسرائيل، ديفيد فريدمان، بعد شهر رمضان، وتقول إنها ستحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
كوشنر ذكر في نيسان/أبريل أن الخطة سيُعلن عنها في حزيران/يونيو، وقال إنها ستكرّس القدس عاصمة لإسرائيل، ولن تأتي على ذكر حل الدولتين، رغم أنه محور الدبلوماسية الدولية الرامية لإنهاء النزاع على مدى سنوات.
الولايات المتحدة تصوغ على ما يبدو خطة لاستسلام الفلسطينيين لإسرائيل وليس اتفاقا للسلام رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني
لكن غرينبلات يعتقد أن الرؤية "واقعية وقابلة للتحقيق، لكنها تتطلب تنازلات من كلا الطرفين".
غرينبلات قال في نيسان/أبريل، إن ما يشاع عن كونفدرالية بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية أو أن يصبح الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، ضمن خطة السلام "غير صحيح".
"صفقة القرن" تتألف من شق سياسي، يتناول قضايا جوهرية مثل وضع القدس، وشق اقتصادي، يهدف إلى"تعزيز اقتصاد الفلسطينيين".
ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن الخطة ستكون عبر اتفاق ثلاثي بين إسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية، حماس، لتتضمن إقامة "فلسطين الجديدة" على أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء المستوطنات.
وتكون القدس تحت سيادة مشتركة بين "فلسطين الجديدة" وإسرائيل، إضافة إلى منح أراض مصرية لغزة بغرض إقامة مطار ومصانع، بدون السماح بسكن الفلسطينيين فيها.
ورصدت الخطة 30 مليار دولار خلال 5 أعوام لمشاريع "فلسطين الجديدة"، التي لن يكون لها جيش، وفق المقترح، الذي ذكر أن إسرائيل "ستدافع عن فلسطين بمقابل مادي".
وزير الخارجية، أيمن الصفدي، أكد في عدة مرات عدم اطلاع الأردن على تفاصيل الخطة، فيما حذر جلالة الملك عبد الله الثاني في أيلول/سبتمبر من الانتقال من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة، واصفاً إياه بـ "الأمر الكارثي".
لا يمكن حل النزاع دون حل قضيتي القدس واللاجئين الرئيسيتينمحمود العقرباوي، مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية الأسبق
حق لا يسقط بالتقادم
رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، يقول لـ "المملكة" إن حق العودة "مدعوم بقرارات دولية ملزمة لإسرائيل.
لكن ذلك لم يمنع إسرائيل من إقرار ما يسمى بـ"قانون الدولة القومية"، الذي "يلغي حق العودة من قبل إسرائيل"، يضيف المصري، وهو رئيس أسبق لمجلسي النواب والأعيان.
الأردن، الوصي على مقدسات القدس، يرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ 1994.
الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت عام 1948 القرار 194 الذي يوجب عودة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم.
"... بعد 71 عاماً لا يزال اللاجئون يحتفظون بحقهم في العودة الذي لا يذهب بالتقادم الزمني"، يقول مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية الأسبق، محمود العقرباوي، ويضيف أن المشروع الأميركي في اعتقاده "لن يرى النور".
موقف الأردن ثابت، ولم ولن يتغير، والملك يرفض الإجراءات الإسرائيليةطاهر المصري، رئيس الوزراء الأسبق
خطة السلام الأميركية "لن تجد من يؤيدها عربياً فلسطينياً، وإقليمياً، ودولياً ... القضية أكبر من فكرة ترامب وكوشنر ... إذا لم يقر الأردنيون والمصريون وباقي العرب الخطة، لن يكون هناك سلام"، وفقاً للعقرباوي، الذي أشار إلى عدم إمكانية فرض السلام الأميركي بالقوة.
ويرى العقرباوي أن المشروع الأميركي "يتجاوز جميع القضايا الأساسية ومن ضمنها قضية اللاجئين، اعتقاداً من واشنطن أنها تستطيع إحلال السلام في الشرق الأوسط بدون حل الملفات الجوهرية".
سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قدرت عدد اللاجئين المسجلين حتى 1 يناير /كانون الثاني 2018، بنحو 6.02 ملايين لاجئ فلسطيني، يعيش نحو 28.4% منهم في 58 مخيماً رسميا تابعا للوكالة الأممية، منهم 2.327 مليون لاجئ في الأردن.
"خطة السلام تهديد لحق العودة ... لا عودة وفقاً لما تسرب من الخطة"، يحذر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، غازي الربابعة.
عامر سبايلة، محلل سياسي، يرى أن واشنطن تتعامل مع ملف اللاجئين "بأسلوب التقادم ومرور الوقت، ومعظم الطروحات تشير لصعوبة التطرق لهذه النقطة".
"حماية لاءات الملك"
الملك قال في آذار/مارس إن القدس ومستقبل فلسطين تمثل خطاً أحمر بالنسبة للأردن، مضيفاً "كلا على القدس، كلا على الوطن البديل، كلا على التوطين".
المصري دعا إلى "حماية لاءات الملك عن طريق جبهة صلبة شعبية أردنية متوافقة مع خطاب الملك تصون البلد والعرش والهوية الأردنية والسيادة الأردنية".
"الأمر يتطلب إجراءات سياسية، وانتخابات نزيهة، وإصلاح وقضاء على الفساد وتقوية الاقتصاد ... نحن على أبواب حركة إصلاحية سوف تساهم في حماية هذه اللاءات وحماية الأردن"، يبين المصري.
ويضيف: "رفضُ الأردنيين والفلسطينيين للطروحات الأميركية سيجعل تنفيذها صعباً ... أمننا الوطني مهدد من قبل إسرائيل؛ ولذلك على الملك والحكومة والشعب الوقوف صفاً واحداً ... وتنفيذ ما يقرره الملك في هذا الأمر".
قد لا تستطيع واشنطن فرض إسقاط حق العودة، لكن على الأقل لن تكون هناك عودة للاجئين في أي مبادرة أميركية عامر سبايلة، محلل سياسي
الملك قال في آذار/مارس، لا أحد يستطيع الضغط على الأردن في موضوع القدس، مضيفاً "كل الأردنيين في موضوع القدس يقفون معي صفاً واحداً، وفي النهاية العرب والمسلمون سيقفون معنا".
الربابعة يرى أن الموقف الأردني "هو الموقف الوحيد القومي المدافع عن القدس، والمراهنة هي على حركة الشعوب والمقاومة لتعطيل الصفقة، والملك قال "شعبي كله معي".
"مطلوب من الأردن توسيع تحالفاته مع المحاور المعارضة للصفقة، مع الإبقاء على تحالفاته الحالية، بمعى أن يكون الأردن منفتحاً"، بحسب الربابعة.
المملكة