لا يزال مطعم عبد القادر الصمادي، حاضرا ببنائه القديم والتراثي في الوسط التجاري بمحافظة جرش منذ أكثر من 70 عاما، ويمثل ملتقى صباحيا لأبناء المحافظة وزائريها يستعيدون داخله تاريخ الآباء والأجداد.
تأسس مطعم "الصمادي" كما يظهر في لافتته الأمامية في العام 1953 في جرش، لتقديم الأكلات الشعبية من وجبات الحمص والفول والفلافل والقدسية، حيث يحمل المطعم "تاريخا وذكريات للأجداد"، خاصة عند تجمعاتهم لتناول وجبات الفطور الصباحية.
ويزيد تاريخ إنشاء المبنى على أكثر من 100 عام، ومنذ استئجار المطعم في عام 1953، أصبح "أقدم مطعم" في المحافظة لا يزال يعمل حتى يومنا هذا بنفس الوجبات والمذاق، كما يقول مرتادوه.
يروي أحمد الصمادي، نجل مالك المطعم الحاج عبد القادر الصمادي، كيف كان يتم إعداد الوجبات في المطعم بطريقة يدوية باستخدام وعاء نحاسي كبير، ثم تُدقّ فيه مادة الحمص بعد نقعها بالماء، وتضاف عليها بعض المكونات والخلطة التي اعتاد عليها مرتادو المطعم، لتصبح جاهزة للأكل.
أحمد، وهو مدرّس جامعي، يقول لـ "المملكة" إن تقديم الحمص والفول صباحا للزبائن كان بأوان من الفخار، حيث كان سعر وجبة الإفطار في ذلك الوقت لا يتجاوز العشرة قروش، مقارنة مع الوقت الحالي، الذي أصبح فيه تكلفة وجبة إفطار الشخص الواحد من حمص وفول قرابة الدينار والنصف بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية مع مرور الزمن.
ويضيف أن والده استطاع تعليم جميع أولاده من مردود المطعم؛ فمنهم القاضي والأكاديمي والمحامي، موضحا أن المطعم حافظ على شكله القديم وإرث لما يحمله من ذكريات لأبناء المنطقة كافة.
ويقول جمال المقابلة، أحد زبائن المطعم لـ "المملكة"، إنه من رواد المطعم منذ أن كان صغيرا، حيث كان يحضر إلى المطعم مع والده عند ذهابهم للسوق التجاري، وكانا يتناولان وجبة الإفطار بالمطعم ويلتقي بداخله مع أبناء المحافظة القادمين من مناطق المحافظة.
ويضيف المقابلة، البالغ من العمر 70 عاما؛ إن المطعم كان يشكل نقطة لقاء للقادمين من المناطق داخل المحافظة، وهو ليس مطعما فقط بل ملتقى اجتماعي، موضحا أنه ما زال يرتاد المطعم بشكل شبه يومي ليلتقي أجياله ويسترجع معهم الكثير من الذكريات عن الماضي الجميل.
ويستذكر أحمد؛ إبريق الشاي النحاسي الكبير، الذي كان والده يعدّ فيه الشاي يوميا في المطعم قبل صلاة الفجر ويوزعه على المصلين مجانا عند خروجهم من المسجد بعد صلاة الفجر.
وعن مصدر المواد الأولية، قال إن والده اعتاد إحضار المواد الأولية للمطعم من سوق السكر في عمّان ويخزنها في مستودع آمن وصحي للحفاظ على جودتها.
الصمادي، يستذكر حديث والده أن أبناء المحافظة عندما كانوا يتوجهون إلى الوسط التجاري للشراء أو البيع قادمين من قرى مجاورة سيرا على الأقدام أو على الدواب، حيث لم تكن هناك مواصلات وقتها، فإن المطعم كان يشكل ملتقى لهم في الصباح لتناول وجبة الإفطار.
"المطعم كان ملتقى لأبناء المحافظة والقرى المجاورة، يتبادلون فيه أخبارهم وما يدور في القرى والمحافظة، حيث لم يكن في تلك الفترة مواقع يستطيعون من خلالها التجمع لتبادل أخبار الزراعة وتربية الماشية والتجارة"، وفق أحمد، الذي يشير إلى أن عددا من كبار السن والشباب ما زالوا يعتبرون المطعم إرثا لهم وتاريخا، لا سيما أنه يحمل ذكريات لهم ولآبائهم ويتداولونها فيما بينهم.
وفي الوقت الذي بدأت فيه أعمال إنشاءات طريق جرش عمّان،في بداية ستينيات القرن الماضي يقول إن والده أضاف للمطعم أصنافا جديدة لإعدادها وتقديمها للزبائن؛ مثل وجبة الأرز والدجاج، حيث كان يتردد عمّال الإنشاءات لتناول وجبة الغداء.
فيما يقول الدليل السياحي يوسف زريقات إن المطعم يشكل تحفة معمارية جميلة، حيث "ما زالت القناطر والعقود المحمولة واضحة في داخله ولم يتغير شكل المطعم عما كان عليه قديما حيث ما زال يحافظ على الحجارة القديمة والأقواس"، واصفا المطعم بأنه "قيمة تراثية".
وأضاف الزريقات لـ "المملكة"، بأن العديد من الزوار المحليين يزورون المطعم ويتناولون فيه وجبة الإفطار ويلتقطون بداخله الصور التذكارية.
ويؤكد أحمد، أنه ما زال وأشقاؤه يحافظون على المطعم وإرثه بعد وفاة والدهم عام 2010 عن عمر ناهز 85 عاما ورغم انشغالهم بأعمالهم الخاصة، نظرا للقيمة التاريخية للمطعم واحتراما لوالدهم، موضحا أن أحد أخوته يتابع أعمال المطعم ويشرف عليه باستمرار والعاملون فيه تعلموا على يد والده.
وأشار إلى أن العديد من مالكي المطاعم الشعبية في محافظة جرش؛ التي يصل عددها إلى قرابة 20 مطعما شعبيا "تعلموا المهنة داخل مطعمهم"، موضحا أن العديد من الوزراء ورؤساء الحكومات والمسؤولين زاروا مطعمهم خلال جولاتهم في جرش.
وعن أجرة المطعم، قال إن أجرته عند التأسيس كانت قرابة 5 دنانير إضافة إلى تنكة زيت زيتون، في حين وصل اليوم إلى 500 دينار شهريا، مشيرا إلى أن المطعم يتسع لقرابة 6 طاولات ورغم ذلك يشهد المطعم اكتظاظا في الفترة الصباحية من أبناء المحافظة وجوارها.
الصمادي، أوضح أن استقبال الزبائن في شهر رمضان يتوقف، ويبدأ إعداد الحمص والفول والقدسية قبل أذان المغرب، لتلبية طلبات الزبائن الراغبين بأن تكون هذه الوجبات على موائدهم.
وقال محمود بني مصطفى، البالغ من العمر 70 عاما، إن المطعم يشكل كنزا من الذكريات لأبناء المحافظة وهو أقدم مطعم شعبي والأول الذي جرى تأسيسه في جرش في القرن الماضي.
وأوضح لـ "المملكة"، أن المطعم "ما زال يحافظ على شكله المعماري"، والكثير من مرتاديه يزورونه لما يحتويه من ذكريات تجمعهم مع أبناء جيلهم، مبينا أن المطعم كان الوحيد في زمانه الذي يقدم وجبات الإفطار.
المملكة