استأنفت محكمة العدل الدولية في لاهاي، الثلاثاء، جلساتها العلنية بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

وكانت المحكمة، قد استمعت الاثنين، لمرافعة دولة فلسطين، التي قدمها وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي، والفريق القانوني لدولة فلسطين، الذي ضم: البرفيسور أندريه زيمرمان، وفول راكلر، والبروفيسور فيليب ساندر، وخبيرة القانون الدولي السفيرة نميرة نجم، ومندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، وألان بيليه.

ومن المقرر أن تعقد المحكمة اليوم جلستين علنيتين صباحية ومسائية للاستماع لإحاطات الدول التي قدمت مرافعات مكتوبة في وقت سابق، وهي: جنوب إفريقيا، والجزائر، والسعودية، وهولندا، وبنغلادش، وبلجيكا، وبيليز، وبوليفيا، والبرازيل، وتشيلي.

وتستمر الجلسات العلنية لمدة ستة أيام بين 19 و26 شباط، للاستماع إلى إحاطات 52 دولة، إضافة إلى الاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية.

وتأتي جلسات الاستماع، في سياق طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الحصول على رأي استشاري من العدل الدولية حول آثار الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 57 عاماً.

وكانت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي اللجنة الخاصة بالمسائل السياسية، وإنهاء الاستعمار، قد اعتمدت في الحادي عشر من تشرين الثاني 2022، مشروع قرار قدمته دولة فلسطين لطلب فتوى قانونية ورأي استشاري من محكمة العدل الدولية، حول ماهية وجود الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي في أرض دولة فلسطين بما فيها القدس.

وهذه هي المرة الثانية التي تطلب فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية، المعروفة أيضا باسم المحكمة العالمية، إصدار رأي استشاري يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة.

وفي تموز/ يوليو 2004، طلبت الجمعية العامة فتوى قانونية بشأن الإجراءات الإسرائيلية في الأرض المحتلة في كانون الأول 2003 فيما يتعلق ببناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وبعد بضعة أشهر، في تموز 2004، وجدت المحكمة أن بناء الجدار مخالف للقانون الدولي ويجب أن يتوقف، وأنه يجب تفكيك الأجزاء التي بُنيت.

ورغم أن الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية غير ملزمة، إلا أنها تحمل سلطة أخلاقية وقانونية كبيرة، ويمكن أن تصبح في نهاية المطاف جزءاً من أعراف القانون الدولي.

جنوب إفريقيا

شدد ممثل جنوب إفريقيا سيموزي مادونسيلا في احاطته أمام المحكمة، على وجوب عودة اللاجئين، وتفكيك المستوطنات، وقال، إن عدم القيام بذلك أدى إلى الظروف الحالية في فلسطين، وأدى إلى الظلم وتكريس نظام الفصل العنصري وحكم الاسـتيطان، وإن التأخير في الحل العادل، أدى إلى دورة غير متناهية من العنف.

وأضاف، أن الموقف من نظام الفصل العنصري يجب أن يكون واضحا، وأن الاحتلال استمر لوقت طويل ومضى عليه 56 عاما، في تحدٍّ لكل الأنظمة والقوانين الدولية والمئات من قرارات الأمم المتحدة وإدارة الظهر لكل المجتمع الدولي.

وقال إنّ التأخير في إنهاء الاحتلال أدى إلى هذه الدورة من العنف، وسقوط شهداء في قطاع غزة، ونتحدث اليوم والشعب الفلسطيني يدفع الدم، وإسرائيل تنتنهك حقوق الإنسان ومعايير القانون الدولي وتتمتع بحصانة، وإن العالم يعيش حالة من الذعر والخوف بسبب الهجمات المستمرة من إسرائيل على قطاع غزة، وهناك سفك للدماء وممارسات غير أخلاقية، ما يحدث إبادة جماعية، وأمام البيانات المقدمة للمحكمة أصدرت قرارا بمنع إسرائيل من ارتكاب الإبادة الجماعية بناءً على القضية المرفوعة من جنوب إفريقيا، لكن إسرائيل استمرت في الأفعال نفسها.

وشدد على أن المجتمع الدولي يجب أن يضمن أن نظام الفصل العنصري وممارسته البشعة بحق الشعب الفلسطيني يجب أن ينتهي، وأن من يرتكب هذه الأعمال يجب أن يساءل، ويجب تفكيك الجدار والمستوطنات، لكن إسرائيل لم تأبه بكل تلك النداءات والتشريعات والقوانين وبقيت تحارب قرار المحكمة.

وأضاف، أن الشعب الفلسطيني يعاني نظام الفصل والتمييز العنصري القائم على المنهجيات والسياسات وهدم المنازل والاقتحامات للقرى ومخيمات اللاجئين.

وأوضح أن النظام القانوني الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني، وتحديدا الأطفال، هو نظام قانوني عسكري يطبقه القضاة العسكريون دون أدنى مستويات الحماية أو تطبيق القانون الإنساني الدولي، ولكن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة لهم قانون ممختلف تماما، أما بالنسبة إلى قطاع غزة فإنهم يعيشون في منطقة محاصرة مفصولة بشكل كامل عن الضفة، حيث خضعوا لعدوان إسرائيل لسنوات طويلة.

وشدد على أن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ينكر حقهم في العودة إلى وطنهم، وبالتالي نريد من المحكمة أن تقوم بفحص تلك القوانين المنفذة من الاحتلال ومراجعتها، ليكون هناك قرار.

الجزائر

قال ممثل الجزائر، إنّ قرارات الأمم المتحدة تنص صراحة على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وأنه احتلال غير قانوني وغير شرعي، وإن الاحتلال هو السبب وراء كل الجرائم المسجلة، ويجب الاستجابة لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة والتركيز على مراجعة آثار الاحتلال الإسرائيلي الممتد في الأرض الفلسطينية، وكل التبعات الناشئة عنه، والنظام غير القانوني الذي يسود ويقوم على التمييز العنصري على أساس انتهاك معايير وقواعد القانون الدولي الذي نصت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأضاف، أنه يجب على المحكمة أن تمارس ولايتها وتصدر قرارها بناءً على البينات والأدلة المقدمة إليها حول تبعات الاحتلال والصراع المستمر، وبالتالي نحن في الجزائر نرى أن على المحكمة أن تُصدر قرارها وتتابع تلك القرارات، فقد استمرت إسرائيل في بناء جدار الفصل رغم القرار الصادر عن المحكمة، وضربت بالقرار عرض الحائط.

وشدد على أنه لا يمكن الاختباء خلف القول إن الصراع بين الطرفين، بل هناك أسباب كثيرة تستند إلى أرضية قانونية تؤكد صحة هذه المرافعة بأنه يجب أن يكون هناك التزام بما يصدر من قرارات عن الأجهزة الدولية، وأن يكون هناك دعوة صريحة للمحكمة إلى إصدار رأيها الاستشاري، وعدم رفض إصدار مثل هذا القرار، خاصة أن القرار الذي صدر عام 2004 هو سابقة يمكن الاستناد إليها من أجل أن يكون هناك تمهيد لأفق سياسي، وهذا يحتاج إلى أساس قانوني، المحكمة هي المسؤولة عنه.

وأضاف أن الإجراءات القضائية ضد إسرائيل يجب ألا تتأثر بأي شيء خارج الإطار القضائي، وأن عدم وجود إطار قضائي يجب ألا يكون سببا لعدم استصدار القرار، ويجب الاستجابة لنداء الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويجب على المحكمة أن تسترشد بالمادة 60 من رأيها الاستشاري الصادر عام 2004.

وقال إنّ من بين التبعات الناشئة عن الاحتلال الطويل للأرض الفلسطينية احتلالا ممتدا كان له الكثير من الأحداث ما بين مفاوضات سلام وحالات حرب يجب أن تأخذها المحكمة بعين الاعتبار، ومرة أخرى نؤكد الرأي الاستشاري الصادر بشأن جدار الفصل العنصري الذي كان تجسيدا للاحتلال الإسرائيلي وللممارسات التي يواجهها الشعب الفلسطيني.

وأوضح أن ممارسات إسرائيل وإجراءاتها المستمرة في الأرض الفلسطينية حرمت المواطنين من حقهم في العودة إلى أرضهم وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة، وهذا هو هدف الاحتلال، وما يحدث في كل الأرض المحتلة بما فيها القدس المحتلة، فالاحتلال يوما بعد يوم يمارس من خلال قوانينه وتشريعاته السيادة بشكل صارخ على الأرض الفلسطينية، من خلال الاستعمار وبناء المستوطنات، والوضع الموجود في قطاع غزة، وكل تلك المظاهر هي نتيجة طبيعية للاحتلال الإسرائيلي.

وأضاف أن الأراضي الفلسطينية وما تواجه من سياسات إنما يمكن القول بشأنها إنها نقيض صارخ للقانون الدولي، والوضع في القدس الشرقية والجدار وكل المخططات الموجودة منافية لكل قرارات الأمم المتحدة وخطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، وتخلق واقعا جديدا، وتسن القوانين والتشريعات لتشريع إجراءاتها غير القانونية بالاستيلاء على الأراضي المحتلة.

وقال، إن إجراءات الاحتلال تمثلت في رفع عدد المستوطنين في الأرض المحتلة إلى 750 ألف مستوطن، في انتهاك لكل القوانين الدولية وحقوق الإنسان المتعلقة بنقل المدنيين على حساب المواطنين الأصليين الفلسطينيين، وإمكانية بناء البنى التحتية وبناء المجتمع الخاص بهم، بالإضافة إلى تجريدهم من الأراضي التي يمتلكونها، ويتم ذلك بشكل سريع في هذه الأوقات.

وأوضح أن قوات الاحتلال ترتكب جرائم في قطاع غزة رغم انسحابها منه عام 2005، وتلت ذلك بحصار مشدد، فأصبح يواجه قدره، والآن الوقائع تتحدث عن نفسها هناك، والصور التي تُبث تتحدث عن نفسها أيضا، إذ إن الأرقام التي تصل إلينا صادمة، فهناك أكثر من 30 ألف شهيد و70 ألف جريح، بالإضافة إلى تدمير كامل للبنى التحية والمساكن الفلسطينية، والعمل على تجويع المواطنين الفلسطينيين، واكتظاظ مدينة رفح بالمهجرين في انتهاك واضح لكل نداءات ومناشدات المنظمات الدولية والأمم المتحدة المطالبة بوقف الحرب وعدم الهجوم على مدينة رفح التي يوجد فيها أكثر من مليون وثلاث مئة ألف مشرد.

وأضاف أن العالم يدرك أن هناك مذبحة محتملة إذا ما تم اجتياح رفح.

كما تحدث عن انتهاك الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني بتطوير وضع ونظام قانون عنصري يطبقه الاحتلال على مراحل.

وفا