استعاد مسرحيون في المركز الوطني للثقافة والفنون، السبت، نصوصا أدبية تناجي الذات كتبها فلسطينيون في قطاع غزة عام 2010، وقدموها في خضم الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر المستمرة منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر.
وتناولت "مونولوجات غزة" قصصا شخصية لغزيين عن الحرب والحصار عبروا فيها عن مشاعرهم وتجاربهم القاسية والمؤلمة وطموحاتهم أيضًا.
وفي جو اتشح بالسواد، صعد فنانون أردنيون بملابس لم تكسر الألوان الداكنة المحيطة، وتقمصوا شخصيات ومشاعر أصحاب النصوص الأصيلة، وأدوا حوارا ذاتيا أمام الحضور بتأثر واضح.
"بطّل للحياة معنى"
وأدت ريتا عكروش مناجاة ذاتية لياسمين أبو عمرو من حي الشجاعية في غزة، وتساءلت عن قدرتها على النهوض مجددا بعد الحرب، قائلة: "بعد كل عدوان على غزة كنت أوقف وأبني حياتي من جديد، بس هلأ بعد كل الدم والموت اللي شفته بسأل حالي: هل راح أقدر أوقف من ثاني وأعيد أبنيها؟؟؟".
ورأت أن الحرب تقتل في الشخص أحلامه ومعنى حياته، قائلة: الحرب قتلت أحلامنا، بطّل للحياة معنى. الحياة اللي ممكن بأي لحظة وبقرار من واحد قاعد يشرب قهوة في مكتب مكيّف، تتبخر بكل الذكريات، والضحكات، والدموع، والأحلام - هاي مش حياة".
"معزوفة الموت"
وقرأت جود سويركي مونولوجا لأماني الشرفا من حي الرمال في قطاع غزة، وتحدثت عن المعزوفة الوحيدة في غزة؛ وهي "معزوفة الموت والرقص ع الجراح".
وقالت: "أصعب شيء الواحد يحس إنه لحظة موته قربت؛ الحرب كانت شبح أسود غطى ليل ونهار غزة. وفرض جحيمه على الناس، على السماء والأرض والهوا اللي بتنفسه".
"ساعة من 60 شهيدا"
وتقمص مهند نوافلة مناجاة ذاتية لمحمود بلعاوي من مخيم الشاطئ في قطاع غزة، قال فيه، إن كل الدول تدخل موسوعة غينيس بالاختراعات. وإحنا كمان دخلناها: إحنا أصحاب أكبر وأطول سلسلة حروب في العالم على شعب أعزل.. أصحاب أطول وأصعب صرخة أم في العالم".
" غزة، عقارب الساعة فيها مش زي عقارب أي ساعة في العالم. عنا الساعة الواحدة فيها 60 شهيدا 3600 جريح، وفي الدقيقة الواحدة 60 بيتا بتدمروا، وفي الثانية 60 صرخة أم ع ابنها اللي راح وراحت أحلامه معه".
ورأى أن الليلة الوحدة من ليالي الحرب على غزة، تساوي مئة ألف حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، ووصف بلعاوي لحظات القصف بقوله: "في الليل لما كانت الدنيا تعتم، كنا نشوف الصاروخ وهو نازل علينا، ونسمع صوته يزأر.. وتصير الدنيا بدل ما هي ليل تصير نهار".
"غزة فش فيها طفولة"
وعلى وقع أنغام حزينة لأوتار العود، بدأت نادين تيسير أداء مونولوج الغزية ياسمين جعرور، بآهات تنتقل بحزن وشجن على أوتار العود، وقدمت مناجاة عن معاناة الأطفال في غزة ووسط الحروب.
وقالت: "غزة فش فيها حنان، فش فيها طفولة الولد عنا ينولد زلمة، والبنت بتنولد عروس".
وبعد زيارة جعرور لمعبر رفح شعرت أنها توصلت لفهم أعمق للسجن الذي يعيشه قطاع غزة، قائلةً: "بعد الحرب زرت معبر رفح، وشفت علم فلسطين وعلم مصر جنب بعضهم، بفصل بينهم سلك، حسيت بالفرق بين العلمين، وإنه السلك هادا هو حدود السجن الكبيير اللي عايشين فيه، حسيت قديش العالم تافه وظالم".
"حب يكفي العالم كله"
وتقمصت الممثلة الأردنية جوانا عريضة شخصية الفلسطينية الغزية ريما الصادي التي تروي رجوعها من الإمارات إلى غزة وهي بعمر 9 سنوات ونفورها من القطاع في البداية، لكن مشاعرها تغيرت وعبرت عن ذلك بقولها: "كانت ماما دائما تحكي لي عن غزة وإحنا بالإمارات. حبيتها قبل ما أشوفها بس، لما عشت فيها حبيتها أكثر" واكتشفت أن "الحب الموجود فيها بين الناس بكفي العالم كله".
وروت تفاصيل انتظارهم القصف الإسرائيلي، وانتقالهم من بيت لآخر اتقاءً لشر الصواريخ والقنابل، وحكت قصة "دار أبو القرع".
"سأحضن الأطفال"
وفي النهاية أطلت الفنانة جولييت عواد على الجمهور، وألقت بتأثر المونولوج الحديث للمخرج علي أبو ياسين الذي يروي فيه حال القطاع الجديد في ظل الحرب الأخيرة والتغيرات التي طالت أطباع سكانه.
ويتحدث عن مقارنات بين غزة قبل الحرب وبعده، والاشتياق لكل ما هو اعتيادي وبسيط قبل 7 تشرين الأول.
يقول أبو ياسين: أكثر شيء سوف تشتاق له مخدتك وسريرك ستظل تحلم بالعودة لهم وتنام ليلة واحدة دون ضجيج الصواريخ، والمدافع وإطلاق النار الذي لا يتوقف" ... ثم "ستمر عن أهم الأشياء مرور الكرام ودون انفعال مثل الحديث عن الشهداء. سوف تتحدث مع عائلتك عن استشهاد أبناء عمومتك كأنك تخبر زوجتك أنك خارج للتسوق بدون انفعال" ثم "انفجار يهز المنزل، سأحضن الأطفال".
تقول جولييت عواد لـ"المملكة" إن العرض يحكي قصصا مؤلمة جدا، وواجب الفنان الأردني والعربي المشاركة في أعمال من هذا النوع لتوصيل الرسائل لأكبر قدر ممكن من الناس.
وتحدثت عواد عن صمت عربي قاتل يجرح أكثر مما يحدث في قطاع غزة، وتساءلت عن أسباب الصمت، وقالت، إن "المساعدات لا تكفي، ويجب أن يكون هناك شيء على أرض الواقع".
وشارك في أداء "مونولوجات غزة" التي أُنتجت عام 2010 من مسرح عشتار فلسطين، مجموعة من الفنانين الأردنيين الذين قاموا بتقدميها على خشبة مسرح المركز الوطني للثقافة والفنون قبل 13 عاما، وهم ريتا عكروش، جوانا عريضة، نادين تيسير، دانا أبو لبن، جود السويركي، وبمشاركة الفنانة جولييت عواد، والفنان مهند النوافلة، وعازفة العود دُنى فواخيري.
صور من عرض مونولوجات غزة. (صلاح ملكاوي/ المملكة)
المملكة