تقول خولة إنها اضطرت إلى دفع 200 دينار لزميلها في الجامعة بعد أن ابتزها وهددها بنشر معلومات وملفات شخصية كان قد سرقها من هاتفها النقال؛ مستخدما برامج قرصنة إلكترونية.
"بعد معاناة امتدت ستة أشهر، دفعت له المبلغ الذي استلفته من شقيقتي لاستعادة ما سرقه مني" تضيف خولة "ولم ترغب أسرتي باللجوء إلى القانون؛ خوفا من أن ينفذ (زميلها) تهديده بنشر ملفاتي الشخصية".
استعانت خولة بمنظمة غير ربحية قدمت لها دعما نفسيا ومشورة ساعدتها على تخطي مشكلتها، وقلقها المستمر الذي غيّبها عن الجامعة؛ بسبب تخوفها من تبعات الابتزاز.
التقت الجمعية أسرة خولة وأحاطتها علما بالمشكلة، وبعد رفض أسرتها إبلاغ القضاء جرى التواصل مع عائلة زميلها، وحذف معلومات وملفات خولة من هاتفه، وتعهد شفهيا بعدم التعرض لها مرة أخرى.
الابتزاز عبر شبكة الإنترنت من أنواع العنف الإلكتروني، وأكثر ضحاياه من الإناث، وفق تصريحات مسؤول في وحدة الجرائم الإلكترونية لـ "المملكة".
وتقول دراسة عن العنف ضد المرأة أطلقتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة العام الماضي إن العنف السيبراني/الإلكتروني هو "الأكثر شيوعا" نظرا لانتشار وسهولة استخدام التكنولوجيا".
وبحسب مسح أجرته الدراسة، تعرضت 63.1% من المستجيبات إلى عنف سيبراني وتنمر إلكتروني، كثالث أكثر أشكال العنف شيوعا بعد العنف النفسي والمعنوي (90.4%)، والإيذاء اللفظي (69.2%).
وتعرف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة على الإنترنت بأنه "أي عمل من أعمال العنف ضد المرأة الذي تُستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئيا أو كليا، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كالهواتف المحمولة، والهواتف الذكية، أو الإنترنت، أو منصات وسائط التواصل الاجتماعي، أو البريد الإلكتروني، الذي يستهدف امرأة؛ لأنها امرأة، أو يؤثر في النساء بشكل غير متناسب".
ويظهر العنف الإلكتروني ضد المرأة بأشكال مختلفة؛ منها نشر معلومات شخصية حساسة، والابتزاز الجنسي، والتصيّد، والتنمر، والمطاردة، والمضايقة والتحرش، والانتقام بنشر صور حميمة.
نسبة النساء اللاتي تعرضن لعنف عبر الإنترنت وأبلغن عنه في الأردن وصلت إلى 60.4%هيئة الأمم المتحدة للمرأة / 2020
من ضحايا ذلك التنمر الإلكتروني الطالبة في الصف العاشر، شيماء (16 عاما)، التي تقول إنها اضطرت للانتقال من مدرستها.
وتضيف أن بعض زميلاتها كن ينعتنها بألقاب سيئة مثل "غبية، قبيحة" خلال الاستراحة بين حصص كانت تعقد عبر تطبيقات إلكترونية، وعند مراجعة أسرتها المدرسة، أجابت المشرفة " إنها فترة شباب وغيرة بين الفتيات … سنكثف الرقابة في الاستراحة".
شيماء، أوضحت أن المشرفة لم تف بوعدها وبقي التنمر قائما؛ مما دفع أسرتها للتواصل مع أهالي الفتيات المسيئات واعتذرن "ولم ينته التنمر رغم وعودهن"، مشيرة إلى أنها "اضطرت للانتقال لمدرسة أخرى، ومتابعة ما فاتها من دروس".
العين ميسون العتوم، وأستاذة سوسيولوجيا الجندر في الجامعة الأردنية سابقا، تقول لـ "المملكة" إن العنف في وسائل الاتصال الرقمية موجه، وقد يدفع ثمنه بعض الرجال، لكن أغلب ضحاياه من النساء كونهن "الحلقة الأضعف".
وترى محاسن الإمام، مؤسسة ورئيسة مركز الإعلاميات العربيات، أن العنف الإلكتروني ضد المرأة امتداد وتكريس للعنف في الواقع، وسلوك مُتعمّد ينفذه فرد أو أكثر؛ عبر إحدى أدوات الاتصال الإلكترونية لإيذاء الآخرين.
وبلغت القضايا الإلكترونية الواردة لمحاكم الأردن خلال السنوات الأربع الماضية 16760 قضية، ارتكبها 20259 شخصا، وفق المجلس القضائي الأردني.
وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام، عرّفت الجريمة الإلكترونية بأنها "كل فعل جرّمته القوانين من شأنه الاعتداء على الأحوال المدنية أو/والمعنوية يكون ناتجا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن تدخّل تقنية المعلومات".
تصدّرت جرائم القدح والذم والتحقير في الأردن الجرائم الإلكترونية في الأربع سنوات الماضية، نحو 11926 قضية، تلتها 1424 جريمة تهديد بالوسائل الإلكترونيةالمجلس القضائي الأردني
لينا المومني، منسقة برنامج "سلام@" بمنظمة سيكدف الكندية للتوعية بالسلامة الرقمية، تقول لـ "المملكة" إن الإناث "أكثر تعرضا" للجرائم الإلكترونية من الذكور، ورغم تعرضهن المتكرر للعنف، قد لا يتخذن إجراءً قضائيا؛ لأسباب اجتماعية، ولاعتقادهن أن التبليغ لن يأت بنتيجة.
وبينت دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن 1 من 3 نساء تعرضن للعنف الرقمي/الإلكتروني في المنطقة العربية، أبلغن عن العنف، إذ أجابت 41% من النساء غير المبلغات عن العنف "لم أظن أن الإبلاغ سيحدث فرقا" و27% أجبن "لم أعرف الجهة التي ينبغي إبلاغها بالواقعة" فيما شعرت 17% منهن بالخوف، بينما عبرت 15% منهن عن عدم ثقتهن بالإبلاغ.
- العنف الإلكتروني، آثاره وأضراره -
وتقول الأمم المتحدة إن العنف عبر الإنترنت قد يُرغم نساءً على الابتعاد عن الشبكة، وقد ينتج عنه أضرار أو معاناة نفسية أو جسدية أو اقتصادية للمرأة.
الإمام حذرت، في حديثها لـ "المملكة"، من أن العنف الإلكتروني والتشهير بالضحية قد يؤديان لفقدانها العمل، وتقليص فرصة الالتحاق بعمل آخر، خاصة إذا كانت الضحية سيدة تعول أسرة؛ فتعرضها لهذا النوع من الجرائم، وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها يجعل وضع الأسرة الاقتصادي غاية في الصعوبة.
وتقول الأمم المتحدة إن المدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيات والسياسيات عرضة بشكل مباشر للتهديد أو المضايقة أو حتى القتل بسبب عملهن، فيما أظهر استبيان محلي أن أكثر من نصف الصحفيات في الأردن تعرضن للعنف الإلكتروني.
- جهود للحد من العنف الإلكتروني -
وصادق الأردن عام 1992 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" مع تحفظات ونشره في الجريدة الرسمية، وسنّ تشريعات تفرض عقوبات على مرتكبي جرائم العنف في الفضاء الرقمي.
وتنص المادة 3/أ من قانون الجرائم الإلكترونية الذي صدر عام 2015 على أنه "يعاقب كل من دخل قصدا إلى الشبكة المعلوماتية أو نظام معلومات بأي وسيلة دون تصريح أو بما يخالف أو يجاوز التصريح، بالحبس مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على ثلاثة أشهر، أو بغرامة لا تقل عن (100) مئة دينار، ولا تزيد على (200) مائتي دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين".
وتنص المادة 5 من القانون ذاته على أنه "يعاقب كل من قام قصدا بالتقاط أو باعتراض أو بالتنصت أو أعاق أو حور أو شطب محتويات على ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن (200) مائتي دينار ولا تزيد على (1000) ألف دينار".
تعتبر المكالمات الهاتفية والاتصالات الخاصة من الأمور السرية التي لا يجوز انتهاك حرمتها؛ وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونيةالمادة 56 من قانون الاتصالات
أما المادة 415 من قانون العقوبات فتنص على "1- كل من هدد شخصا بفضح أمر أو إفشائه أو الإخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو من شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من 50 دينارا إلى مائتي دينار. 2- كل من ابتز شخصا لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له أو لغيره عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 50 دينارا ولا تزيد على 200 دينار".
- توصيات -
ودعت الإمام الفتيات إلى ضرورة الإبلاغ عن تعرضهن للعنف الإلكتروني، وحماية أنفسهن؛ بالتعرف على أنظمة حماية تحدّث باستمرار.
واتفقت معها العتوم، ودعت المعنّفات إلى اللجوء للقانون؛ لوجود وسائل حماية آمنة، والتبليغ عن تعرضهن لهذه الجرائم، إضافة لإمكانية اللجوء لمنظمات تطوعية ومجتمع مدني تتبنى قضاياهن؛ بالتواصل مع القضاء بسرية تامة.
وطالبت الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح (جوسا)، بتغليظ العقوبات القانونية على جرائم العنف المبني على الجنس، وتطوير نظام رصد وطني لحالات العنف الرقمي/الإلكتروني، وتوفير قنوات سريعة للشكاوى المتعلقة بقضايا العنف الرقمي تحافظ على الخصوصية.
وتشير المومني، إلى أن برنامج "سلامة@" أوصى بتكثيف دورات التوعية بالسلامة الرقمية، وتضمينها في مناهج التعليم المدرسي والجامعي، وتنفيذ حملات إعلامية واسعة؛ للتعريف بمخاطر العنف الإلكتروني، وكيفية الحماية منه.
المملكة