سيبقى 7 شباط/فبراير 1999، محفورا في ذاكرة الأردنيين، يوم ودعوا جلالة الملك الراحل الحسين -طيب الله ثراه- وبايعوا جلالة الملك عبدالله الثاني، وهم على العهد باقون، وعلى خطى مليكهم ماضون.

25 عاما على تسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية، والعزيمة والإصرار تزداد صلابة وقوة في مواصلة مسيرة التحديث التي يقودها.

لحظات لن ينساها الأردنيون، حين اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني عام 1999 منبر مجلس الأمة لإلقاء خطاب العرش السامي، فقال "نفتتح الدورة الثالثة لمجلس الأمة الـ13 وهي الدورة العادية الأولى في عهدنا الذي سنعمل فيه بعزم وإرادة قوية، من أجل رفعة الأردن وازدهاره، والدفاع عن قضايا أمته ومستقبل أجيالها، وذلك وفاء للرسالة العظيمة التي تحدرت إلينا من الآباء والأجداد،"

أحداث عظيمة شهدها الأردن، في مسيرة البناء والتحديث التي مضى بها بعزم وتحد رغم كل الظروف، فالأردن وبحكم موقعه الجغرافي وطبيعته الديمغرافية ودوره المؤثر عربيا وإقليميا، تحمل واجب التزامه العروبي والإنساني والأخلاقي تجاه العديد من القضايا، وبموارده المحدودة تمكن من اجتياز صعوبات جمة سياسية واقتصادية واجتماعية في محيط طوقته الصراعات والحروب والكوارث، وبقي صامدا بمواقفه الثابتة والواضحة.

وفي مسيرة عقدين ونصف العقد من الزمان، بقي الأردن، بقيادة مليكه، وطنا متماسكا ومتجددا، مسيجا بحكمة ملك هاشمي، واحترافية وشجاعة جيش عربي مصطفوي وأجهزة أمنية باسلة.

وفيما يتعلق بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، يواصل الأردن، بقيادة جلالة الملك، القيام بدوره التاريخي والديني في رعاية هذه المقدسات، ويكرس جلالته جهوده للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.

ولم يدخر الأردن بقيادة جلالة الملك جهدا في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والعمل باتجاه وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وضمان استمرار تدفق المساعدات الإغاثية والطبية والإنسانية للأشقاء.

ويبذل جلالته مساعيه من أجل إيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة، ودعم جهود الاستقرار فيها، فضلا عن التأكيد على أهمية التكامل الاقتصادي، وتوفير الرفاه لسكان هذا الجزء من العالم بعيدا عن الصراعات.

ويحرص جلالة الملك على إدامة التنسيق والتشاور مع قادة الدول العربية والإسلامية الشقيقة والأجنبية الصديقة، والمنظمات الدولية، حول مختلف القضايا التي تهم المنطقة والعالم.

ومنذ تسلم جلالته لسلطاته الدستورية، سخر كل الإمكانات للشباب، ووفر الدعم والمساندة لكل الرياديين والمبدعين ليكون لهم دور أساسي في تحقيق نهضة شاملة في كل المجالات.

ويحرص جلالة الملك على التواصل مع أبناء شعبه وبناته، فيزورهم في مختلف مواقعهم، ويجول في مؤسسات العمل والوزارات ليتفقد تقديم الخدمات لهم، فتأمين حياة أفضل لجميع الأردنيين لا تزال أولوية جلالته.

الخدمة العسكرية

يولي جلالة الملك المؤسسة العسكرية والأمنية، اهتماما ورعاية، ويحرص على تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين، ويحرص على الالتقاء بهم.

في إطار تدريبه ضابطاً في القوات المسلحة الأردنية، التحق جلالته بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة في 1980، وبعد إنهاء علومه العسكرية فيها 1981 قُلِّد رتبة ملازم ثانٍ.

وعُيّن بعد ذلك قائد سرية استطلاع في الكتيبة 13/18 في قوات الهوسار (الخيّالة) الملكية البريطانية، وفي عام 1982 التحق بجامعة أكسفورد، حيث أنهى مساقاً في الدراسات الخاصة في شؤون الشرق الأوسط.

وبعد عودته إلى أرض الوطن، التحق جلالته بالقوات المسلحة الأردنية برتبة ملازم أول، وخدم قائد فصيل ومساعد قائد سرية في اللواء المدرع الأربعين.

وفي 1985، التحق بدورة ضباط الدروع المتقدمة في فورت نوكس في ولاية كنتاكي بالولايات المتحدة الأميركية.

وفي 1986 تولى جلالته قيادة سرية دبابات في اللواء المدرع 91 في القوات المسلحة الأردنية برتبة نقيب، كما خدم في جناح الطائرات العمودية المضادّة للدبابات في سلاح الجو الأردني، وتأهّل قبل ذلك مظلّياً في القفز الحر وطياراً مقاتلاً على طائرات الكوبرا العمودية.

وفي 1987 التحق بكلية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة ضمن برنامج الزمالة للقياديين في منتصف مرحلة الحياة المهنية، كما أنهى برنامج بحث ودراسة متقدمة في الشؤون الدولية في إطار برنامج "الماجستير في شؤون الخدمة الخارجية".

خدم جلالته مساعد قائد سرية وقائد كتيبة في كتيبة الدبابات الملكية/17 ثم رُفّع إلى رتبة رائد.

كما حضر دورة الأركان في كلية الأركان الملكية البريطانية في كمبرلي بالمملكة المتحدة (1990).

وخدم خلال الفترة 1991-1992 ممثلاً لسلاح الدروع في مكتب المفتش العام في القوات المسلحة الأردنية، وقاد كتيبة المشاة الآلية الملكية الثانية.

وفي 1993 أصبح برتبة عقيد في قيادة اللواء المدرع الأربعين، ومن ثم أصبح مساعداً لقائد القوات الخاصة الملكية الأردنية، ثم قائداً لها برتبة عميد.

وفي 1996 أعاد تنظيم القوات الخاصة لتتشكّل من وحدات مختارة لتكوّن قيادة العمليات الخاصة.

ورُقّي إلى رتبة لواء عام 1998، وحضر دورة إدارة المصادر الدفاعية في مدرسة مونتيري البحرية خلال حزيران وتموز في العام نفسه.

ولاية العهد

صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيين الأمير عبدالله بن الحسين ولياً للعهد في 24 كانون الثاني 1999.

وكان قبل ذلك قد تولّى ولاية العهد بموجب إرادة ملكية سامية صدرت وفقاً للمادة 28 من الدستور الأردني، منذ يوم ولادته في 30 كانون الثاني 1962 حتى 1 نيسان 1965.

تسلُّم السلطات الدستورية

بدأ جلالة الملك عبدالله الثاني، منذ تسلُّمه سلطاته الدستورية في 7 شباط 1999، عصراً جديداً من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي عزّزت من قدرة الأردن على المنافسة في القرن الحادي والعشرين، عبر مواصلة نهج الانفتاح الاقتصادي، والذي سرّع اندماج الأردن في الاقتصاد العالمي ورسّخ مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص، وترافقَ ذلك مع إصلاحات سياسية شاملة ومستمرة، من خلال زيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار وصولاً للحكومات البرلمانية.

الرؤية الملكية

تقع التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي والرعاية الاجتماعية في مقدمة أولويات جلالة الملك، وقد وجّه جلالتُه لتوفير المناخ المناسب بما يكفل تحقيق التنمية بوجوهها المختلفة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحّية، لتزويد الأردنيين بالأدوات التي تمكّنهم من المساهمة في تطوير بلدهم ولتأمين مستوى معيشي أفضل لهم.

وحدّد جلالتُه محاورَ عدّة لتحقيق هذه الرؤية، منها: تحرير الاقتصاد وتحديثه، ورفع مستوى معيشة المواطنين، ويشمل ذلك تخفيض عبء المديونية، وتقليص عجز الموازنة، والاندماج في الاقتصاد العالمي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية، ومحاربة الفقر والبطالة.

وتنطلق رؤية جلالة الملك لإحداث التنمية الاقتصادية المستدامة، من تبنّي مَواطن القوة في المجتمع، على أساس الالتزام بالقيم، والبناء على الإنجازات، والسعي نحو الفرص المتاحة، لأن تحقيق التنمية الشاملة وبناء اقتصاد قوي يعتمدان على الموارد البشرية المتسلّحة بالعلم والتدريب، والتي ستمكّن من تجاوز التحديات والمعيقات بهمّة وعزيمة وبالعمل الجادّ المخلص لتحقيق الطموحات.

واستناداً إلى هذه الرؤية الواضحة، أطلق جلالته سلسلة من الخطط والبرامج، لبناء مجتمع مدني عصري تسوده روح العدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان، سِمَتُه المشاركة والإسهام في البناء، وغاياته أن يكون نموذجاً متقدماً وقيادياً في المنطقة.

وينطلق جلالته في دعمه المستمر للنهوض بالتجارة والاستثمار، والاستخدام الأمثل للمعرفة وأدوات التكنولوجيا، من حقيقة أن للتجارة والاستثمار العالميين أثر إيجابي في النمو الاقتصادي، وأن نجاح الدول في الاقتصاد العالمي الجديد يعتمد على قدرتها على تنويع علاقاتها الاقتصادية، وتبني مدخلا جديدا في سوق عالمي متنامٍ.

واتخذ الأردن خياراً استراتيجياً بالاندماج في الاقتصاد العالمي، عبر شراكات اقتصادية مع البلدان والمجموعات الدولية المؤثرة.

ومن الاتفاقيات الاقتصادية التي وقّعها الأردن في هذا الإطار: اتفاقية الانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، واتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة، واتفاقية الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي، واتفاقية إقامة منطقة التبادل التجاري الحر بين الدول العربية المتوسطية (اتفاقية أغادير)، واتفاقية مع رابطة الدول الأوروبية (الافتا)، واتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة مع سنغافورة.

وكان الأردن من أوائل الدول التي انضمّت إلى اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية.

كما برز الأردن في المنتدى الاقتصادي العالمي بوصفه قصةَ نجاح ينظر بثقة إلى المستقبل بفضل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي قادها جلالة الملك، وجعلت الأردن أنموذجاً متقدماً في المنطقة.

وحظيت التنمية الاجتماعية باهتمام جلالته من خلال حرصه على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ورفع مستوى دخل المواطن، وتأكيده على أهمية أن يلمس المواطن الأثر الإيجابي للمشاريع التنموية التي يجري تنفيذها. ومن هنا جاء التوجيه الدائم من قِبَل جلالته للحكومات المتعاقبة، لإيجاد آليات تنفيذية تسهم في تحسين مستوى حياة المواطن وتعينه على مواجهة الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة.

كما وجّه جلالته لوضع برامج لتحسين مستوى حياة المواطنين محدودي الدخل، من خلال شبكة الأمان الاجتماعي، وتشييد المساكن للشرائح الاجتماعية المستهدَفة، وبرامج تمكين الفقراء من خلال التدريب والتأهيل، ومساندة الأسر الفقيرة عبر طرود الخير الهاشمية.

وفي حزيران 2016، وجّه جلالة الملك عبدالله الثاني، في رسالة بعث بها إلى رئيس الوزراء، بتشكيل مجلس للسياسات الاقتصادية، تكون مهمته مناقشة السياسات والبرامج الاقتصادية وخطط التنمية في القطاعات المختلفة، وتحديد أبرز المعيقات التي تقف في وجه النمو الاقتصادي، واقتراح الحلول لتجاوزها.

واستُلهمت التوجيهات الملكية السامية في إعداد وثيقة "رؤية الأردن 2025"، التي أريد منها رسم طريق للمستقبل وتحديد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على إتاحة الفرص للجميع.

ومن مبادئ الوثيقة الأساسية: تعزيز سيادة القانون، وتكافؤ الفرص، وزيادة التشاركية في صياغة السياسات، وتحقيق الاستدامة المالية وتقوية المؤسسات. ولكي يتحقق ذلك، لا بد من رفع مستوى البنية التحتية، ورفع سوية التعليم والصحة، بالإضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في العملية التنموية.

وتشدّد الرؤية كذلك على أن النجاح في تحقيق محتواها وتنفيذ السياسات الواردة فيها يتطلّب التزاماً من قِبل المواطن والحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني على حدّ سواء، وذلك ترجمةً لشعار "المواطنة الفاعلة" الذي أشار إليه جلالة الملك في أوراقه النقاشية.

واهتمّ جلالة الملك بمستوى خدمات الرعاية الصحية المقدَّمة للمواطنين، وأوعز بضرورة توسيع مظلة التأمين الصحي لتشمل شرائح أوسع من المجتمع.

وبهدف تأمين حياة أفضل لجميع شرائح المجتمع الأردني، أطلق جلالته عدداً من المبادرات لتأمين السكن المناسب، وفي مقدمتها إسكان أبناء القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي، والأجهزة الأمنية، وإسكان المعلمين، و"مشروع الملك عبدالله الثاني لإسكان الأسر العفيفة".

وانطلاقاً من قاعدة أن "النمو السياسي شريك حيويّ للنمو الاقتصادي"، فإن رؤية جلالة الملك لبناء الأردن الحديث تنطلق من ثوابت راسخة، فالأردن عربيُّ الهوى والانتماء، وصاحب رسالة وشرعية تاريخية ودينية، يوفر لأبنائه وبناته فرص الحياة الكريمة في مناخ من الحرية والديمقراطية التي تمكّن كلّاً منهم من المشاركة في صنع القرارات التي تؤثّر في حياته ومستقبل أبنائه.

كما تجلّى دعم جلالة الملك للثقافة عندما أمر جلالته بإنشاء صندوق مستقل لدعم الحركة الثقافية والنشر والإبداع، ورفع مستوى الخدمة الثقافية، والحفاظ على الآثار والمعالم التاريخية وصيانتها، وإنشاء المتاحف، وحماية المخطوطات القديمة وترميمها.

ومن منطلق سعي جلالة الملك لتحقيق مبدأ "العدل أساس الملْك"، تشكلت اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي في ظلّ قناعة ملَكية بأن "لا تنمية سياسية وإدارية وتعليمية واقتصادية من دون إصلاحات جذرية" تشمل جميع محاور عملية التقاضي.

ولتحقيق التنمية بمفهومها الشمولي، أولى جلالتُه عناية خاصة لتأسيس العديد من صناديق الدعم، وفي مقدمتها صندوقُ الملك عبدالله للتنمية الذي يستهدف زيادة الإنتاجية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تأسيس مشاريع تنموية إنتاجية في مناطق المملكة، وصندوقُ الإسكان العسكري.

أما الشباب، فتستند رؤيةُ جلالة الملك إلى أهمية مشاركتهم والتواصل معهم وتنمية قدراتهم ورعايتهم وترسيخ جذور الثقة لديهم. وانطلاقاً من أن هذا ركيزةٌ أساسية لبناء الأردن الحديث، أطلق جلالته مجموعة من المبادرات الرامية إلى تعزيز دور الشباب في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بدءاً بالاستثمار في تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم، وحثّهم على التفكير والتحليل والإبداع والتميّز، مروراً بتوفير البيئة المناسبة لمشاركتهم في العمل والبناء، وانتهاءً بتعزيز انتمائهم الوطني وممارسة دورهم الفاعل والجادّ في الحياة العامة.

وأولى جلالة الملك عناية خاصة لتوفير فرص العمل للأردنيين، والتركيز على مشروعات التدريب والتأهيل للحد من البطالة، وذلك ضمن جهوده لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فكان المجلسُ الوطني للتدريب المهني ثمرة اهتمام جلالته بهذا المجال. وبدأ المجلس عمله بخطّة طموحة هدفها تأهيل الآلاف من الشباب الأردني وتدريبهم تمهيداً لإدخالهم سوق العمل.

وقد تُوِّجَت كلُّ هذه الجهود بمشروع الشركة الأردنية للتشغيل والتدريب، الذي أطلق جلالةُ الملك المرحلةَ الأولى منه.

وحرصت رؤية جلالة الملك على جعل الأردن بوابةً للمنطقة في مجالَي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الإلكترونية، وتحويل الأردن إلى مجتمع معلوماتي يتمتع بكلّ ما تتطلّبه تحدّيات الاقتصاد المعرفي العالمي من إمكانيات وقدرات.

ولتحقيق هذه الرؤية، أطلق جلالته "مشروع التطوير التربوي نحو الاقتصاد المعرفي" للارتقاء بمستوى النظام التعليمي في المملكة ومواكبة المتطلّبات والاحتياجات المحلية والإقليمية والدولية.

وقد تمّت حوسبة جميع المدارس الحكومية وربطها إلكترونياً، وغدا الأردن نموذجاً متقدماً استفادت من تجربته في هذا المجال بلدان كثيرة في الشرق الأوسط والخليج العربي.

وتواصلت رعاية جلالة الملك للعملية التعليمية عندما وضع جلالتُه حجر الأساس لمدرسة "كِنغز أكاديمي" لتكون أحد أبرز المشروعات التعليمية الطموحة في الأردن، وأنشئت الأكاديمية على نسق "أكاديمية ديرفيلد" في الولايات المتحدة التي سبق لجلالته أن درس فيها المرحلةَ الثانوية، والمعنية بتصميم مناهج دراسية وعملية تُعِدّ طلبتَها لتحمُّل مسؤوليات القيادة في المجالات المختلفة.

الدفاع عن القيم النبيلة

جعل جلالةُ الملك مبادئَ الإسلام النبيلة في العدالة والسلام والتناغم والانسجام الاجتماعي والتسامح، مُرتكزاتٍ أساسيةً في رؤيته لواقع الأردن ومستقبله.

ففي مركز القلب من المجتمع الأردني تقع القيم المشتركة بين الأردنيين، ويرتبط الأردنيون بقيم مشتركة بصرف النظر عن دياناتهم. وهذه التجربة تضيء أيضاً رؤية جلالة الملك للمنطقة والعالم. فمن خلال جمْعِ أمم العالم، وأتباع الديانات المختلفة، والمنتمين إلى الثقافات المتنوعة، على طاولة الحوار، يسعى جلالته إلى التقدّم بفهم مشترك لهموم الإنسانية وما يربط بينها من عرى.

ويواصل جلالة الملك القيام بالدور التاريخي للهاشميين في الدفاع عن مصالح الأمة الإسلامية في العالم. وهو يشارك في التحرّكات العالمية ليكون للمسلمين، وبخاصة جيل الشباب منهم، صوتٌ في الشؤون الدولية يُبرز وزنهم وقدراتهم وإنجازاتهم.

رسالة عمّان

وفي عام 2004، وفي أواخر شهر رمضان المبارك من عام 1425 للهجرة، وُلدت "رسالة عمّان" في ليلة مباركة، عندما أحيا جلالةُ الملك عبدالله الثاني ليلةَ القدر المباركة في مسجد الهاشميين، من بعدها أعلن الأردن عزمَهُ عقدَ المؤتمر الإسلامي الدولي في عمّان عام 2005.

وتُقدّم "رسالة عمّان"، التي شارك في إعدادها مؤسسة آل البيت الملَكية للفكر الإسلامي، وعدد من كبار علماء المسلمين، توضيحاً لا يحتمل التأويل لقيم التعاطف والرحمة واحترام الآخرين والتسامح وحرية الأديان، وهي القيم التي تُعَدّ المبادئ الهادية في الإسلام.

ودافع جلالةُ الملك عن الإسلام أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في نيويورك، في 4 شباط 2002، وحثّ على فهم رسالة السلام الإسلامية بوصف الإسلام دينَ السلام والمحبة والتسامح.

ولم تقف جهودُ جلالة الملك عند هذا الحدّ، فقد أطلق جلالتُه أيضاً حملةً عالمية تتضمن حوارات متنوعة شملت جميع الأطياف والشرائح داخل المجتمعات المختلفة التي يلتقيها من أجل إبراز الصورة الحقيقية للإسلام.

السلام

سعى الأردن باستمرار لنشر قِيَم السلام والاعتدال، وسط حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

ولعل مقولة "الأردنّ بيتٌ هادئ في حيّ مضطرب" تمثل إسقاطاً سياسياً وتاريخياً واقعياً لهذه الحالة.

ومنذ بداية القضية الفلسطينية، لازَمَها الأردن أملاً وألماً، فكان أول من دفع الثمنَ بدمٍ، الشهيد المؤسس الملك عبدالله (الأول) طيب الله ثراه في باحة المسجد الأقصى المبارك، ليزكي ذلك الرباط الذي ما انفصم يوماً، ولجيشه العربي على أرضها ألفُ شاهد وشاهد، وليس انتهاءً بمعركة السلام التي خاضها بحكمة واقتدار جلالةُ الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، لتثبيت الحق والعدالة.

وكرّس جلالة الملك الجزءَ الأكبر من جهوده واتصالاته الإقليمية والدولية للدفاع عن القضية الفلسطينية في جميع المحافل، لقناعته بأنّ الهمّ الفلسطيني هو همٌّ أردني، وبأنّ قضية فلسطين هي قضية الشعب الأردني مثلما هي قضية الشعب الفلسطيني، وبأنّ مستقبل المنطقة واستقرارها وأمنها مرتبط بحلّ الدولتين الذي يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وقد أكد جلالته مراراً أن الأولوية ستبقى للدفاع عن الحق الفلسطيني، وتمهيد الطريق إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، ينهي الاحتلال الإسرائيلي ويكفل قيام دولة فلسطينية مستقلة، وبما يضمن الحقوق الفلسطينية الراسخة في القدس، وحق عودة اللاجئين، والسيادة الكاملة للدولة الفلسطينية.

وأعاد جلالة الملك القضية الفلسطينية إلى مركز دائرة الضوء العالمي بخطابٍ تاريخي ألقاه في مبنى الكونغرس أمام الجلسة المشتركة لمجلسَي النواب والشيوخ الأميركيين في 7 آذار 2007، وحظي باهتمام عالمي، لما تمتع به من عقلانية ورؤية.

وبالرغم من أن جلالته يرى أن قضية فلسطين هي القضية المركزية، وهي مفتاح السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، إلا أنه لم يُغفل لحظةً واجبه تجاه قضايا المنطقة العربية وخاصة البلدان التي ترزح تحت وطأة أوضاع حرجة كما هي الحال في سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان.

وفي مجالات أخرى، حافظ جلالة الملك على انفتاح الأردن نحو جيرانه وأصدقائه، وتصدَّرَ الدعوة إلى ضرورة الوقوف بحزم في وجه التطرف والإرهاب.

سيادة القانون والمواطنة

يحرص الأردن بقيادة جلالة الملك على الحفاظ على قيم العدالة والمساواة من خلال حماية حقوق المواطنين وتطبيق القانون على الجميع بكل شفافية ومن دون تهاون أو محاباة.

فلقد أكد جلالته أن سيادة القانون هي المظلة التي تحمي مسيرة الديمقراطية والإصلاح في الأردن، وأنها عنصر أساسي للمضيّ قُدماً في مسيرة التنمية والتطوير.

وتناول جلالته في الورقة النقاشية السادسة موضوع سيادة القانون كأساس للدولة المدنية، وقال إن "مبدأ سيادة القانون هو خضوع الجميع، أفراداً ومؤسسات وسلطات، لحكم القانون.

وقد عمل الأردن في السنوات الأخيرة على استحداث مؤسسات ديمقراطية جديدة من شأنها تعزيز سيادة القانون وتطبيق العدالة على الجميع أهمها المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد.

أكد جلالته مراراً على أهمية المواطنة الفاعلة كجزء لا يتجزأ من عملية التحول الديمقراطي.

فقد شدد جلالته في الورقة النقاشية الرابعة "نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة" على أهمية التحلي بالمواطنة الفاعلة للمشاركة في الحياة السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار للوصول للحكومات البرلمانية.

ولا تقف أهمية ممارسات المواطنة الفاعلة عند ذلك وحسب، فلقد أكد جلالته بأن المواطنة الفاعلة أهم مصادر منعة الأردن ووحدته الداخلية.

كما عمل جلالته على إطلاق برنامج التمكين الديمقراطي تحت مظلة صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية ليعمل على ترسيخ مفاهيم المواطنة الفاعلة وتمكين الأفراد والمؤسسات.

الأوراق النقاشية الملكية

منذ أن تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية في عام 1999، أرسى جلالته رؤية واضحة للإصلاح الشامل ومستقبل الديمقراطية في الأردن.

ومن خلال سلسلة من الأوراق النقاشية يسعى جلالة الملك إلى تحفيز حوار وطني حول مسيرة الإصلاح وعملية التحول الديمقراطي التي يمر بها الأردن، بهدف بناء التوافق، وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وإدامة الزخم البناء حول عملية الإصلاح.

المملكة