سيبقى تاريخ السابع من شباط عام 1999، محفورا في ذاكرة الأردنيين، يوم ودعوا جلالة الملك الراحل الحسين -طيب الله ثراه- وبايعوا جلالة الملك عبدالله الثاني، وهم على العهد باقون، وعلى خطى مليكهم ماضون.
خمسة وعشرون عاما على يوم الوفاء والبيعة، وتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، والعزيمة والإصرار تزداد صلابة وقوة في مواصلة مسيرة التحديث التي يقودها جلالته.
ويستحضر الأردنيون في يوم الوفاء والبيعة، مسيرة جلالة الملك الباني التي امتدت لما يقارب نصف قرن، تحققت فيها الإنجازات، وتجسدت فيها المواقف الوطنية والقومية الشجاعة التي جعلت من الأردن رمز الصمود والأمن والأمان في إقليم ملتهب.
وأقدم جلالة الملك الحسين على خطوات مهمة أبرزها؛ تعريب قيادة الجيش في عام 1956، وإلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 لإكمال السيادة الوطنية، كما حقق الأردن بقيادة الملك الراحل، انتصارا كبيرا في معركة الكرامة الخالدة عام 1968.
واضطلع الأردن في عهد الراحل الكبير بدور محوري في تعزيز التعاون العربي، ودعم القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وكان الملك الحسين رجل حرب وسلام، فمثلما قاد معركة الحرب بكل شرف وشجاعة وإقدام، قاد معركة السلام التي توجت بتوقيع معاهدة السلام في عام 1994، إذ أكد الأردن ثوابته الأساسية؛ المتمثلة بتحقيق سلام عادل ودائم وشامل، يضمن تلبية جميع حقوق الشعب الفلسطيني.
وعلى العهد، يصر الأردنيون، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، على أن يكون الأردن الأنموذج بالتقدم، والمواقف الراسخة، والمحافظة على مبادئ الثورة العربية الكبرى، والإرث الحافل للآباء والأجداد.
لحظات لن ينساها الأردنيون، حين اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني عام 1999 منبر مجلس الأمة لإلقاء خطاب العرش السامي، فقال "نفتتح الدورة الثالثة لمجلس الأمة الثالث عشر، وهي الدورة العادية الأولى في عهدنا الذي سنعمل فيه بعزم وإرادة قوية، من أجل رفعة الأردن وازدهاره، والدفاع عن قضايا أمته ومستقبل أجيالها، وذلك وفاء للرسالة العظيمة التي تحدرت إلينا من الآباء والأجداد، بعد أن قدموا في سبيلها التضحيات الجسام .. ووفاء للأهداف النبيلة التي سعى الحسين العظيم -رحمه الله- إلى ترسيخها، فكان هذا البناء الشامخ الذي ورثناه، والاحترام الكبير الذي نلمسه حيثما نذهب، وقد استقر في الضمير والوجدان منذ اللحظة الأولى التي أكرمني الله فيها، بشرف أمانة المسؤولية الأولى في الأردن العزيز، أني نذرت نفسي لخدمة الشعب الأردني الوفي، العربي الوجه والضمير والرسالة، والذي أعتز بالانتماء إليه، وأفاخر الدنيا بأصالته، وقدرته على مواجهة التحديات والصعاب، والحرص على النهوض بالواجب؛ دفاعا عن قضايا أمته، وإسهاما في صياغة مستقبلها الذي يليق بتاريخها، ورسالتها الإنسانية والحضارية العظيمة".
يحيي الأردنيون هذا اليوم، وهم يقرأون في اللفظ السامي لجلالة الملك عبدالله الثاني مخاطبا قرة عينه وولي عهده سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، بعيد ميلاده الثامن عشر، أروع صورة للوفاء، "وقد تعلمت من جدك الحسين -رحمه الله- أنه يجب أن أنظر إلى كل واحد من شعبي على أنه بمكانة الأخ أو الأب أو الابن، فأوقر كبيرهم، وأرحم صغيرهم وضعيفهم، وأساوي بينهم في الحقوق والواجبات، وأصفح وأعفو عمن أساء منهم، وأصل الليل بالنهار لخدمتهم والسهر على مصالحهم، ومستقبل أجيالهم القادمة".
أحداث عظيمة شهدها الأردن، في مسيرة البناء والتحديث التي مضى بها بعزم وتحد رغم كل الظروف، فالأردن وبحكم موقعه الجغرافي وطبيعته الديمغرافية ودوره المؤثر عربيا وإقليميا، تحمل واجب التزامه العروبي والإنساني والأخلاقي تجاه العديد من القضايا، وبموارده المحدودة تمكن من اجتياز صعوبات جمة سياسية واقتصادية واجتماعية في محيط طوقته الصراعات والحروب والكوارث، وبقي صامدا بمواقفه الثابتة والواضحة.
وفي مسيرة عقدين ونصف العقد من الزمان، بقي الأردن، بقيادة مليكه، وطنا متماسكا ومتجددا، مسيجا بحكمة ملك هاشمي، واحترافية وشجاعة جيش عربي مصطفوي وأجهزة أمنية باسلة.
ويولي جلالة الملك المؤسسة العسكرية والأمنية، اهتماما ورعاية، ويحرص على تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين، ويحرص على الالتقاء بهم.
ومن منطلق الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، يواصل الأردن، بقيادة جلالة الملك، القيام بدوره التاريخي والديني في رعاية هذه المقدسات، ويكرس جلالته جهوده للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
ولم يدخر الأردن بقيادة جلالة الملك جهدا في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، والعمل باتجاه وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وضمان استمرار تدفق المساعدات الإغاثية والطبية والإنسانية للأشقاء.
ويبذل جلالته مساعيه من أجل إيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة، ودعم جهود الاستقرار فيها، فضلا عن التأكيد على أهمية التكامل الاقتصادي، وتوفير الرفاه لسكان هذا الجزء من العالم بعيدا عن الصراعات.
ويحرص جلالة الملك على إدامة التنسيق والتشاور مع قادة الدول العربية والإسلامية الشقيقة والأجنبية الصديقة، والمنظمات الدولية، حول مختلف القضايا التي تهم المنطقة والعالم.
ومنذ تسلم جلالته لسلطاته الدستورية، سخر كل الإمكانات للشباب، ووفر الدعم والمساندة لكل الرياديين والمبدعين ليكون لهم دور أساسي في تحقيق نهضة شاملة في كل المجالات.
ويحرص جلالة الملك على التواصل مع أبناء شعبه وبناته، فيزورهم في مختلف مواقعهم، ويجول في مؤسسات العمل والوزارات ليتفقد تقديم الخدمات لهم، فتأمين حياة أفضل لجميع الأردنيين لا تزال أولوية جلالته.
وبدأ الأردن مئويته الجديدة بمشروع تحديثي شامل أطلقه جلالته، وما زال يتابعه خطوة بخطوة، مشروع انبثق عن مجموعة الأوراق النقاشية لجلالة الملك، والتي تضمنت رؤية وطنية استشرافية لمسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري.
بترا + المملكة