قوبلت رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية في إطار خطة أوسع لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بازدراء ورفض وسخط في العالم العربي، وذلك رغم دعوة البعض في الخليج إلى منحها فرصة.

وفي إسرائيل وصف وزير التعاون الإقليمي تساحي هنجبي، المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رفض الفلسطينيين لخطة "السلام من أجل الازدهار" التي يبلغ حجمها 50 مليار دولار بأنه أمر مأساوي.

وتشمل الخطة إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. ومن المتوقع أن يطرحها جاريد كوشنر صهر ترامب خلال مؤتمر في البحرين يعقد يومي 25 و 26 يونيو/حزيران.

وفي القاهرة، قال وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة، الأحد: "نحن لسنا بحاجة لاجتماع البحرين لبناء بلدنا، نحن بحاجة لسلام... تسلسل الأحداث أنه انتعاش اقتصادي من ثم يأتي سلام، هذا غير حقيقي وغير واقعي".

وأثار غياب تفاصيل الحل السياسي، الذي قالت واشنطن إنها ستكشف عنه لاحقاً، رفضاً ليس من الفلسطينيين فحسب، ولكن أيضاً في الدول العربية التي تسعى إسرائيل إلى إقامة علاقات طبيعية معها.

ومن السودان إلى الكويت، استنكر معلقون بارزون ومواطنون عاديون مقترحات كوشنر بعبارات مماثلة بشكل لافت للانتباه مثل "مضيعة هائلة للوقت" و"فاشلة" و"مصيرها الفشل منذ البداية".

ووجهت أحزاب ليبرالية ويسارية مصرية انتقادات حادة لورشة البحرين، وقالت في بيان مشترك، إن مؤتمر المنامة "يرمي إلى تكريس وشرعنة الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية".

وأضاف البيان: "نستنكر وندين أي مشاركة، أو تمثيل عربي رسمي في هذا المؤتمر... وتعتبر هذا المشاركة تجاوزاً لحدود التطبيع" مع إسرائيل.

وفي حين أُحيطت الخطوط العريضة للخطة السياسية بالسرية، يقول المسؤولون الذين اطلعوا عليها، إن كوشنر تخلى عن حل الدولتين، وهو الحل الذي يلقى قبولاً في العالم منذ فترة طويلة، ويشمل قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة إلى جانب إسرائيل.

"مأساة أخرى"

تقاطع السلطة الفلسطينية اجتماع البحرين، وتقول إن الحل السياسي هو الحل الوحيد للصراع. وقالت إن خطط كوشنر "كلها وعود نظرية" وهي محاولة لرشوة الفلسطينيين لقبول الاحتلال الإسرائيلي.

ولم يوجه البيت الأبيض الدعوة للحكومة الإسرائيلية.

وقال هنجبي لراديو إسرائيل، إن واشنطن حاولت أن توجد "القليل من الثقة الإضافية والإيجابية" من خلال طرح رؤية اقتصادية، لكنها بالنسبة للفلسطينيين لمست وتراً حساساً‭"‬.

وأضاف "لا يزالون مقتنعين بأن مسألة السلام الاقتصادي برمتها مؤامرة لا تهدف إلا إلى إغراقهم بالتمويل لمشروعات ومزايا أخرى لينسوا طموحاتهم القومية. هذا بالطبع يمثل خوفاً مرضياً لكن هذه مأساة أخرى من مآسي الفلسطينيين".

وستشارك دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك السعودية والإمارات، إلى جانب مسؤولين من مصر والأردن والمغرب.

وقال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، الأحد، إن تحسين وضع الفلسطينيين يجب أن يكون محل ترحيب، لكن العملية السياسية المتعلقة بحل الصراع مع إسرائيل "بالغة الأهمية".

وقال الجبير في مقابلة مع قناة فرنسا 24 التلفزيونية: "أعتقد أن أي شيء يحسن وضع الشعب الفلسطيني ينبغي أن يكون موضع ترحيب. والآن نقول إن العملية السياسية مهمة للغاية".

وتابع قائلاً "الفلسطينيون هم أصحاب القرار الأخير في هذا الأمر؛ لأنها قضيتهم، ولذلك فإن أي شيء يقبل به الفلسطينيون سيقبله أي أحد آخر".

ولن يحضر لبنان والعراق اجتماع البحرين.

وفي بيروت، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الأحد، "يخطئ الظن من يعتقد أن التلويح بمليارات الدولارات يمكن له أن يغري لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة على الخضوع أو المقايضة على ثوابت غير قابلة للتصرف، وفي مقدمتها رفض التوطين الذي سنقاومه مع الأشقاء الفلسطينيين بكل أساليب المقاومة المشروعة".

كانت جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية التي تتمتع بنفوذ كبير على الحكومة قد وصفت في السابق الخطة بأنها "جريمة تاريخية" يجب وقفها.

وتظاهر، الأحد، آلاف المغاربة في العاصمة المغربية الرباط للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين، ورفضهم لخطة كوشنر.

وقال سليمان العمراني نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، الشريك في حكومة المملكة المغربية، لرويترز "اليوم مرة أخرى الشعب المغربي حضر بكل مكوناته يسار ويمين... إسلاميون ونقابات وأحزاب... ليؤكد أن الشعب المغربي مع فلسطين، وضد كل ما يمكن أن يمس فلسطين والقدس".

ويعتقد محللون عرب أن الخطة الاقتصادية تمثل محاولة لشراء معارضة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية "برشوة" قيمتها مليارات الدولارات للدول المجاورة التي تستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين من أجل دمجهم.

وبعد قيام إسرائيل في عام 1948، استوعب الأردن وسوريا ولبنان معظم اللاجئين الفلسطينيين. وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يصل الآن إلى نحو 5 ملايين.

"لا ضير من الاستماع"

في السنوات الأخيرة، دفع تنافس إيران الشديد مع كتلة تقودها السعودية، الصراع العربي الإسرائيلي إلى مكانة أقل أهمية على نحو متزايد.

وفي حين رحبت الرياض وحلفاؤها بموقف ترامب الأكثر صرامة ضد طهران، التي تعتبر نفسها حامية للحقوق الفلسطينية، يتهم منتقدون السعودية بالتخلي عن الفلسطينيين.

والتزم رجال الدين المسلمون في المنطقة بالصمت إلى حد كبير بعد ساعات من الكشف عن الخطة في مؤشر على الحملات على المعارضة في العديد من الدول العربية.

واحتجزت السعودية عدداً من رجال الدين البارزين في محاولة فيما يبدو لإسكات أي معارضة محتملة لحكام المملكة. ولم يصدر الأزهر بعد أي بيان للتعليق على الخطة.

وأكدت السعودية للحلفاء العرب أنها لن تؤيد أي شيء لا يلبي المطالب الأساسية للفلسطينيين.

وقال علي الشهابي، رئيس المؤسسة العربية التي تدعم السياسات السعودية، إن السلطة الفلسطينية مخطئة في رفض الخطة دون بحثها.

وأضاف في تغريدة على تويتر: "يجب أن تقبلها وتعمل على وصول المنافع لشعبها ثم تمضي قدما بقوة في العمل السلمي... للبحث عن الحقوق السياسية".

وانتقد رجل الأعمال الإماراتي البارز خلف أحمد الحبتور رفض الفلسطينيين الذهاب إلى البحرين، قائلاً: "هذه المقاربة... قصيرة النظر في أفضل الأحوال، وانهزامية في أسوأها".

وكتب: "لا ضير من الاستماع إلى الطروحات التي ستُقدَّم على طاولة البحث".

وحتى في الخليج، لا تلقى خطة كوشنر دعماً يذكر.

وقال أسامة الشاهين النائب في البرلمان الكويتي "صفقة القرن هي تبرع وتنازل من طرف واحد فقط، هو الطرف العربي، بينما يربح المحتل كل شيء: الأرض والسلام والأموال الخليجية فوق ذلك كله، دون أي وقف للاستيطان والتعدي اليومي على الفلسطينيين والمقدسات".

رويترز