يتوارث حرفيون في مدينة نابل بشمال شرق تونس صناعة الحصير التي تصنف ضمن التراث غير المادي للبلاد ويعملون على نقلها إلى أجيال جديدة للحفاظ عليها من الاندثار وتطويرها.
وفي حي الرّْبَطْ الذي يعرف أيضا باسم "نهج الحصايرية" تنتشر مجموعة من الورش المتخصصة في صناعة الحصير التي تمثل جزءا راسخا من ذاكرة المدينة حيث يجلس حرفيون على الأرض منهمكين في جمع سنابل نبات السمار الذهبية ليحيكوا منها منتجات متنوعة تستخدم بالجوامع والمساجد.
وتستخدم ألياف نبتة السمار في صنع الحصير ومنتجات أخرى بعد جمعها من الأرض وغمرها بالماء ثم تجفيفها ومعالجتها تحت أشعة الشمس ثم تجمع حسب الطول ليتحول السمار الطويل إلى الحصير بينما يستخدم السمار القصير في صنع القفاف.
ويقول جلال المطماطي الذي يعمل بصناعة الحصير منذ عقود "بدأت وعمري 12 سنة بجمع حزمات السمار وتنقيتها من الشوائب ثم تدربت على صناعة الحصير، ورغم حداثة سني وقساوة معلمي تمكنت من إتقان أسرار الحرفة بأدق تفاصيلها".
وأضاف لرويترز "أحب هذه الحرفة رغم أنها شاقة، ويعز في نفسي أن تندثر وتتراجع بسبب عزوف الشباب عن الإقبال عليها وتعلمها".
ورغم الشهرة التي تكتسبها نابل بمجال صناعة الحصير فثمة صعوبات تواجه هذه الحرفة التقليدية في مقدمتها تراجع عدد ورش التصنيع الذي كان يقدر سابقا بالمئات وأصبح الآن لا يتجاوز بضع عشرات.
كما يبدي المطماطي مخاوف أخرى على الحرفة التي يعتبر نفسه أمينا عليها وينذر وقته وجهده لضمان استمرارها.
وقال "إذا استمر عزوف الشباب، وغاب دعم الدولة فإن هذه المهنة بتاريخها وخصوصيتها في طريقها للضمور".
وينتمي معظم المشتغلين بصناعة الحصير إلى فئة كبار السن الذين توارثوا المهنة وحفظوا أبجدياتها منذ نعومة أظفارهم لذلك فإن وجود شاب بينهم مثل زياد الشلادي الذي يؤمن بأهمية وقيمة الحرف اليدوية يشعرهم ببصيص أمل.
وقال زياد لرويترز عن شغفه بحرفة صنع الحصير التي ورثها أبا عن جد "أحب هذه الحرفة لأنها جزء من تاريخ بلادي.. كل من يمر من حي ‘الحصايرية‘ وأمام الورشات تعود به الذاكرة إلى الماضي وحنين الأجداد".
وأضاف "عندما كنا صغارا تربينا على الحصير، حين كان والدنا ينسج كنا نلعب على الحصير فأصبحت اليوم أنسج وبناتي يلعبن بجانبي".
ويأمل مروان شقيق زياد في استغلال السمار لصنع منتجات أخرى بخلاف الحصير والقفاف مثل الكراسي وفرش المنازل والقاعات من خلال إضفاء لمسات إبداعية تواكب العصر.
وقال إن هذه الحرفة يتعين أن تحظى بالاهتمام المستحق باعتبارها حرفة تعكس قدرا مهما من الهوية "بل وتتبدى كتجسيد حي لتراث الآباء والأجداد وأساسا متينا من أسس البنية الاجتماعية والثقافية".
رويترز